أي دور للكتاب المدرسي في بناء المشروع الشخصي للمتعلم؟
ذ الحسين بايزو
الكتاب المدرسي:
لن نقف طويلا في تعريف الكتاب المدرسي ووظائفه ، فقد قيل
فيه الكثير، فمن بين تعريفاته. هو " الوعاء
الذي يحتوي المادة التعليمية الذي يفترض فيها أن تكون الأداة أو إحدى الأدوات على الأقل
التي تستطيعى أن تجعل التلاميذ قادرين على بلوغ أهداف المنهج المحددة سلفا"
" وهو المرجع الأساسي الذي يستقي منه التلميذ معلوماته أكثر من غيره من
المصادر..."[1].
والكتاب المدرسي هو" الوسيلة التي تضم بكيفية منظمة المواد والمحتويات
ومنهجية التدريس والرسوم والصور ، إنه هو والمدرس المصدران الأساسيان
للمعرفة.." [2] قبل طوفان المواد الرقمية ووسائل
التواصل الاجتماعي.
ويقول ميلود
حبيدو "الكتاب المدرسي هو مجموعة من الخبرات التربوية والثقافية والاجتماعية
والرياضية والفنية التي تهيؤها المدرسة لطلابها داخل المدرسة أو خارجها
بقصد مساعدتهم على النمو الشامل وتعديل سلوكهم"[3] . فهو يضم مجموعة من
الوثائق المطبوعة المستعملة في التدريس ،والمصاحبة للمتعلم في في البيت و الفصل
وخارجهما، وهو قاعدة لانطلاق حوار "تفاعلي"بين الآباء والأبناء ومعهم
بدرجة أخرى بين الآباء والأساتذة ، من أجل الإسهام في بلورة المشروع الشخصي
للمتعلم.
ويقول أحمد أوزي "ويعتبر(الكتاب المدرسي) بما يحتويه من نصوص تعليمية من أهم آليات الفعل
البيداغوجي لترسيخ ثقافة المجتمع بكافة جوانبها الثقافية والاجتماعية والسياسية
والاقتصادية..فإنه كان ومايزال دعامة ديداكتيكية أساسية في المنظومة التربوية
والتعليمية ووسيلة من بين وسائل التعليمية المساعدة على التعلم[4].أحمد أوزي مجلة دفاتر التربية والتكوين العدد3 شتنبر 2020 ص 46.
لقد عرفت الكتب المدرسية تطورا ونقلة نوعية سواء من حيث
المادة التي تتضمنها أو تنظيمها وفق مجموعة من المعايير والمواصفات التي تستجيب لحاجيات المتعلم
وللتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعلوماتية المتسارعة . فينبغي أن
يوفر للمتعلم مجالا لتنمية مهارات، واكتساب معارف تعينه على فهم محيطه والتفاعل
معه إيجابيا ، ومعرفة المجالات والمهن المستقبلية قصد العمل على بناء مشروعه
الشخصي المرحلي، مستحضرا قدراته الذاتية، والمهن المستقبلية، مستوعبا للمسار
الدراسي والعقبات التي تعترضه نحو تحقيقه للمشروع.
المشروع الشخصي للمتعلم
" يمكن اعتبار المشروع الشخصي للمتعلم سيرورة
نمائية دينامية تطورية يبحث من خلالها
المتعلم عن صيغة للعمل الذاتي لتحقيق أقصى ما يمكن من الملاءمة والانسجام بين
قدراته وتطلعاته والفرص المتاحة أمامه سواء كانت فرصا تعليمية أو تكوينية أو
مهنية، وتفترض هذه السيرورة أسلوبا في التفكير والعمل، وتتأسس على خطة عمل تستند
على منهجية تدبير الفرص واإكراهات ذات الطبيعة السوسيوتربوية والبيداغوجية، انطلاقا
من تحليل الذات والمحيط المدرسي والمهني والحياتي، واقتراح الحلول الكفيلة
بإحداث التكيف الدراسي والحياتي، وضبط وسائل العمل وبرمجة الأنشطة والعمليات لبلوغ
الأهداف المنشودة في أفق تجاوز للذات وإكراهات الواقع بأكبر من الفعالية والتنظيم
والتقويم والتخطيط[5]".
مابين الكتاب المدرسي والمشروع الشخصي للمتعلم
من الأمور الضرورية لبناء مشروع شخصي
للمتعلم ناجح و منسجم ، معرفة المتعلم لقدراته وميولاته ضمن المجالات المهنية
مع استهداف مهن (حالية أو مستقبلية) يروم
تحقيق إحداها ، ومعرفة المسار أو المسارات المدرسية المؤدية لتحقيق الهدف، وينبغي للكتاب المدرسي
باعتباره الوثيقة المصاحبة للمتعلم أن تذكي فيه بناء مهارات ، وتحسيسه بغالبية
المهن الموجودة ، وبعض المسارات الدراسية للوصول إلى هذه المهن.
أكيد أن بعض
النصوص والوثائق المتضمنة للكتاب المدرسي والتي تستعمل أسنادا لبناء درس أو في التقويم
، تضم تعريفا لبعض المهن كالفلاح والنجار والطبيب والجندي وغيرهم ، وتبقى هذه
النصوص غير كافية لإطلاع المتعلم بالمهن ، لمعرفتها واختيار ما يناسبه فيها ، ويمكن أن يساهم في
ذلك الأنشطة المدرسية اللاصفية خاصة بعد
دمج بعد التوجيه في مشروع المؤسسة وتأسيس نادي الموجه في المؤسسات التعليمية.
الكتاب المدرسي بين الماضي والحاضر والمستقبل (علوم
الحياة والأرض نموذجا)
لقد خبرت الكتاب المدرسي لعلوم الحياة
والأرض ومضامينه منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى الآن، منذ كنت تلميذا بالإعدادي
ثم الثانوي ، ثم أستاذا للمادة في جميع مستويات السلكين التعليم الثانوي الإعدادي
والتأهيلي ، فالملاحظ أولا أن الكتاب المدرسي الآن متوفر وفي متناول الجميع ،
ومؤخرا فهو متعدد ، بحيث نجد عدة كتب مدرسية
في مستوى واحد، فرغم وحدة المضمون إلا أن الوثائق المشكلة للكتاب الدرسي
مختلفة ومتنوعة ومتكاملة.
و لقد راجعت الكتب المدرسية القديمة منها
والحديثة والآنية، بالفرنسية سابقا(مرحلتي التلاميذية) ثم بالعربية حيث تغيرت المقررات أربع مرات ، فلم
أعثر فيها على فقرة أو مجال يتحدث عن مهنة ما وكيفية الوصول إليها، ومن بين الغرائب
أنه درسنا ودرّسنا الدورة الدموية والعروق الدموية ، ولم نتعرف عن
أنواع النزيف الدموي وكيفية توقيفه إلا في دورة تكوينية للهلال الأحمر ! ( ومع الهلال الأحمر المغلابي قصة
أخرى).
لكن بالرجوع إلى المقررات الدراسية لدولة فرنسا،
في مادة العلوم الحياة والأرض، لا نجد اختلافا
كبيرا في مضمونها مع الكتب المدرسية المغربية حتى قلنا أن الأخيرة هي ترجمة
حرفية للأولى ، و تتميز بجودة وثائقها، ووجود مجال في نهاية معظم الدروس ، تشير
إلى المهن المرتبطة بهذا الدرس. وفي الكتب الحديثة منها نجد رابطا ، يقودك إلى مزيد من المعلومات حول المهنة
والمسارات الدراسية الممكنة للوصول إليها . فعلى سبيل المثال لا الحصر، في درس الزلازل نجد صورا وتعليمات لكيفية التعامل مع الحدث ، وفي حيز
آخر يتم التذكير ببعض
المهنيين المتدخلين فيها مثل المسعفين والأطباء والممرضين وعلماء رصد الزلازل والإعلام ... أضف إلى ذلك أنها مجانية منذ سنة 1933 في
الابتدائي والثانوي الإعدادي ، تعطى للتلميذ على أن يرجعها للمؤسسة في نهاية
الموسم كما جاء في كتاب (le [6]guide de jeune enseignant) .
رؤية مستقبلية
ليكون للكتب المدرسية دور في بناء
المشروع الشخص للمتعلم لا بد أن تُعَرّف بأكبر عدد من المهن، مع إبراز بعض
المسارات الدراسية المؤدية لهذه المهن، وسيكون لإطار التوجيه المدرسي والمهني دور كبير
في تأطير الأساتذة "كل حسب تخصصه" في المهن المتضمنة للكتب المدرسية ، مع الإسهام في الإعلام
والتوجيه المدرسي والمهني للمتعلمين حسب المستويات الدراسية ، وفي توضيح الرؤيا
للجميع من بلورة وتوطيد المشروع الشخصي.
في خارطة الطريق 2023-2026، لابد من إنتاج كتب
مدرسية جديدة، وينبغي أن ترقى لتتضمن أكبر عدد من المهن والمسارات الدراسية
الموصلة لبعضها، فهل سيتم إشراك أطر التوجيه في ذلك؟ هل سنؤمن بأن أطر التوجيه خاصة المستشارين
يساهمون في تأطير الأساتذة في المجالات المهنية الحالية والمستقبلية ، أم سنعزز
مقولة أنهم يقومون بدور تقني مستثمرين التلاعب بالألفاظ ونترك "التأطير" إلى مفتشي التوجيه
لأنهم كرروا التكوين في المركز و"لن نسمح لغيرنا أن يحظى بهذه الميزة ما دام لنا تأثير في
اتخاذ القرار".
ليكن أفقنا بعيدا، فلبناء مشروع شخصي
سليم وناجح، إضافة لبناء قدرات متميزة ، وفهم المحيط ، لابد من معرفة المهن
المستقبلية والتي لها ديمومة في الحياة ، يعرفها إطار التوجيه ويعمل على تبليغها مواكبة
و تأطيرا وإخبارا للمساهمين في الإعلام والتوجيه من أساتذة وآباء وتلاميذ.
[1] معجم علوم التربية –
مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك – سلسة علوم التربية 9-10 مادة الكتاب المدرسي ص 188-189
[2] نفس المرجع - نفس المادة
[3] ميلود حبيدو - سبل تطوير المناهج
التعليمية - مطبعة النجاح الجديدة الدار
البيضاء ط1 - 1993
[4] د أحمد أوزي - مجلة دفاتر
التربية والتكوين - العدد3- شتنبر 2010 ص44
[5] عبد العزيز الصنهجي - المشروع الشخصي للمتعلم في ضوء الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030
من التصور إلى التنزيل - الطبعة الأولى
طبع ونشر شمس برنين-سلا 2019 ، ص 32
[6] Guide de jeune enseignant – Fabrice Hervieu-wane- editions sciences
humaines 2011 p10
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.