الفجر الساطع - قصة قصيرة - نورالدين الطويليع

الإدارة Oktober 24, 2023 Oktober 24, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الفجر الساطع - قصة قصيرة 

- نورالدين الطويليع


- نورالدين الطويليع

ضاق داميان درعا باللقيط دانيال الذي أفسد عليه حياته، وحولها إلى جحيم، خطرت بباله فكرة تصفيته، وحاول تنفيذها، لكنه لم يفلح، قَرَّبَهُ إليه، وأسبغ عليه عطفه وحنانه، ولم يزده ذلك إلا ثبارا.
بث داميان حزنه إلى أصدقائه وأقاربه، وشكى إليهم حاله مع اللقيط دانيال الذي استنزف مخزونه من الصبر والتحمل، وأوقفه على حافة الانهيار النفسي، فَرَقُّوا لحاله، وقَاسَمُوهُ معاناتهم  معه هم كذلك. واقترحوا جميعا أن يبعدوه عنهم حتى يتخلصوا من شره المستطير، ويهنؤوا بالراحة التي افتقدوها والطمأنينة التي ودعوها بسبب إذاية اللقيط لهم، وتحويله نهارهم إلى ليل بهيم.

فكروا وقدروا، وقلبوا الاقتراح على كل وجوهه، هم الذين يدركون جيدا أن ما كل ما يطمحون إليه من تخلص من هذا الشر المستطير  ليس بالأمر السهل، ويعون جيدا أن الرهان سيكون خاسرا إن سلكوا فيه طريق القوة، وأن المخرج الوحيد لنجاحه هو اتباعهم أسلوب المخاتلة.

في اليوم الموالي نادى داميان على اللقيط دانيال، وحدثه عن رغبته في أن يراه صاحب أرض كبيرة، وألا يظل شريدا.
نظر اللقيط إلى مُحدِّثِهِ نظرة شك وارتياب، وقال له: أنت تبنيتني، ووعدتني بأن أعيش في كنفك معززا مكرما، وها انت تخل بوعدك.
- ليس الأمر كذلك، لا أريدك أن تكتفي بالعيش في ظلي، لقد كبرت، وآن لك أن تستقل بنفسك، وأن يكون لك كيانك الخاص.
- فلتمنحني إحدى ضيعاتك إذن.
- ضيعاتي صغيرة وغير منتجة، وعيون كثيرة ستترصدك داخلها، وجدت لك ضيعة أحسن منها بكثير.
- أين توجد هذه الضيعة؟
- بعيدة عنا في اتجاه الشرق، اجمع حقائبك، وغدا في الصباح الباكر سأرافقك على متن طائرتي الخاصة لنزورها،  وسأرتب كل شيء، لضمان  إقامة مريحة لك.
- حسنا، غدا سأكون في الموعد.
ذهب داميال إلى غرفته، وباشر اتصالاته الهاتفية بالوسطاء والسماسرة، ليهيئوا له إقامة مريحة في الشرق، فنفذوا ما طُلِبَ منهم دون تردد، وما هي إلا ساعات حتى كان كل شيء على ما يرام.

بعد أيام من الإقامة الباذخة في المكان المختار، أخذ داميال بيد اللقيط دانيال ودَلَّه على الأرض التي ستحتضن أحلامه، وتنشأ فيها ذريته، أرض واسعة كانت تابعة لمحمد، وأخذها دانيال، نظير نصرته إياه في عراكٍ له مع أخيه عثمان.

استقر اللقيط دانيال في الأرض الموعودة، وجمع إخوته من أمه الذين كانوا متفرقين في أماكن متعددة، وأضاف إليهم من اشتبه في أنهم إخوة له من أبيه الذي لا يعرفه، تقاطرت على الأرض التي مَلَّكَهَا إياه داميال قطعان كثيرة من اللقطاء الذين عاثوا فسادا فيها، وامتد فسادهم إلى جيرانهم الذين تجرعوا مرارة خبثهم، واشتكوا إلى داميال ممارساتهم المشينة وتصرفاتهم الطائشة، فوعدهم بوضع حد لذلك، تكررت الشكاوى، وتكررت معها الوعود، وتمددت أطماع دانيال وخلانه، فالتهموا الأراضي المجاورة، وأطلقوا خنازيرهم لتفسد زرع أراض أخرى...، تعالت الصيحات، وتناسلت نداءات الاستغاثة، ولا مغيث، إلا ما كانت تطمينات بإصلاح ذات البين، ودعوات إلى محمد وجيرانه بضرورة احترام الضيوف والكف عن مطاردتهم وزرع بذور الكراهية في نفوس أبنائهم تجاههم، وتلقوا التهديدات، إن هم استمروا في مضايقة دانيال وقطعان خنازيره، بمعاقبتهم بتهمة الإساءة إلى الإنسان والحيوان.

اجتمع أبناء محمد في فجر يوم أغر، وهجموا على الضيعة بعصيهم وحبالهم وسواطيرهم، فأشبعوا اللقطاء ضربا، وسحلوهم، وأعطوهم مهلة ليغادروا الضيعة دون رجعة.

تناهى الخبر إلى سمع داميال ورفاقه، فلطموا الخدود وشقوا الجيوب، ليس حزنا على اللقيط وخلانه، وإنما خوفا من أن يعود الشر إليهم، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وبذلوا كل ما استطاعوا لزجر الزاحفين على الضيعة، وردعهم حتى يتوقفوا عن إدخال الرعب على القابعين فيها، لكن ذلك لم يزدهم إلا إصرارا على استعادة أرض والدهم وأرض جيرانهم.

في ليلة ليلاء تسلل دانيال هاربا إلى وجهته الأولى، وتبعه اللقطاء الآخرون الذين عاد كلٌّ منهم من حيث أتى، وحينما أشرقت الشمس كانت الضيعة خاوية على عروشها، فدخلها أبناء محمد فرحين مسرورين، وخطب فيهم كبيرهم قائلا: لقد أضعنا سنين طوالا، مراهنين على أوبة اللقطاء إلى إنسانيتهم، معولين على وفاء من أتوا بهم بوعودهم في نشر الأمن والأمان في الضيعة ونواحيها. كم كان الحل في متناولنا، وكم كنا غافلين عنه، أخيرا عرفنا الحل واهتدينا إليه، إنه العصا التي رميناها وراء ظهورنا، قبل أن ترغمنا صفاقة اللقطاء على حملها، فلتحيا العصا، ولتحيا القوة. 

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de