روح أمجد الطرابلسي تنبعث من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
إدريس الناقوري في لقاء أكاديمي: الدكتور أمجد كان أستاذا متميزا، وقد جاء إلى المغرب محملا بمشروع فكري وأدبي وعلمي وأخلاقي
ـــ تغطية نورالدين الطويليع
أقر الدكتور إدريس الناقوري بصعوبة الحديث عن الراحل أمجد الطرابلسي، واستحالة الإحاطة بجوانب شخصيته في أبعادها المتعددة، واسما إياه بالرجل الفذ والأستاذ المبجل، وأضاف المتحدث في كلمة ألقاها بمدرج الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة في الدرس الافتتاحي الذي نظمه مختبر البحث في علوم اللغة والخطاب والدراسات الثقافية في موضوع "مفهوم الأستاذية، جوانب من سيرة الدكتور أمجد الطرابلسي"، وذلك يوم الأربعاء 01 نونبر 2023، أضاف المتحدث أنه صَاحَبَ المرحومَ أمجد لما يزيد عن سبع سنوات، دون أن يتمكن من معرفته تمام المعرفة، أو أن يخبره بما فيه الكفاية، بسبب شخصيته المتحفظة التي يصعب معها الولوج إلى أعماق نفسيته، قبل أن يستدرك قائلا:"من حسن الحظ أن الرفقة السابقة والمعلومات المستقاة من كتبه ومصادر سيرته، والأخبار المتعلقة بحياته، وعلاقاته وتجاربه، كل ذلك ساهم في رسم صورة تقريبية له؛ صورة الأستاذ المتميز، والباحث الفاضل، والعلامة المتواضع، والمربي الناجح، والإنسان الخدوم صاحب الأخلاق الرفيعة"، مشيرا بهذا الصدد أن كل من عرفوه أكبروه واحترموه، لما وجدوا فيه من دماثة الأخلاق، وجميل الصفات، وحسن السمت، وسعة العلم المقرونة بالتواضع والإباء والحرص على العلا، وحَوْصَلَ المتحدث صورة أمجد العلمية قائلا:"كان أستاذا متميزا في أبحاثه، وأستاذا في محاضراته، وأستاذا في تدريسه وتحقيقه وإشرافه، كان يقدر العلم، وكان رجلا متأنيا، دقيقا، معتدلا في أحكامه النقدية".
تحدث الدكتور إدريس الناقوري، بعد هذه التوطئة، عن البيئات الأربع التي شكلت شخصيته، وشحذت شخصيته، وأهلته ليكون علما في اللغة والأدب والفكر:
ــــ البيئة الأولى هي البيئة الشامية، بدمشق تحديدا، التي رأى فيها النور سنة 1916، وفيها برزت موهبته الشعرية منذ مرحلة دراسته الثانوية، وتعهدها بالصقل حتى اكتملت أدواته الفنية وصار شاعرا قوميا من كبار شعراء العرب، وجسدت هذه البيئة لدى أمجد مرحلة النبوغ الشعري.
ـــ البيئة الثانية هي إقامته في العاصمة الفرنسية باريس خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفيها برز نبوغه الفكري والنقدي، وتأتى له فيها كذلك إنجاز أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع "نقد الشعر لدى العرب حتى القرن الخامس"، وقد ناقشها سنة 1945.
ـــ البيئة الثالثة هي تردده على مصر في فترة الوحدة (1958 ــ 1961) عندما اتحدت مصر مع سوريا، وكونتا ما سمي بالجمهورية العربية المتحدة التي ترأسها "جمال عبد الناصر"، بعد أن تنازل له الرئيس السوري "شكري قوتلي" عن الحكم، وفي هذه البيئة تمرس بالعمل السياسي، بعد تعيينه وزيرا في حكومة الوحدة، وإسناد وزارة التعليم العالي إليه، وهي المهمة التي قام بها أحسن قيام، واطلع بها أحسن اطلاع، مما جعله محط تقدير "جمال عبد الناصر" وثقته واحترامه.
وقد انتهت هذه التجربة بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده ضابط في الجيش السوري، فقدم أمجد استقالته أسوة بزملائه في الحكومة، ورفض عرض استوزاره، وقرر طي صفحة السياسة والتفرغ للبحث العلمي والعطاء والتكوين بالمغرب.
ـــ البيئة الرابعة هي البيئة المغربية التي انتقل إليها سنة 1962 بعد الانفصال مباشرة، حاملا مشروعا فكريا وأدبيا وعلميا وأخلاقيا، وقد وجد في المغرب المرتع الخصب للفكر والتأمل والدراسة والتحقيق، فأعاد النظر في مساره العلمي، وقرر استكمال مشروعه العلمي والفكري والأدبي من خلال طلبته، فاتجه إلى بناء معجم تاريخي للمصطلح النقدي، وكلف طلبته بدراسة المصطلحات النقدية القديمة.
وختم الدكتور إدريس الناقوري كلمته بإبراز أثر هذه البيئات الأربع في نحت شخصية المرحوم أمجد الطرابلسي، مشيرا إلى أنها، والعوامل المرافقة لها، جعلت منه أستاذا بكل معنى الكلمة.
يشار إلى أن اللقاء سَيَّرَتْهُ الدكتورة نعيمة الواجيدي، وهي من تلامذة الراحل أمجد الطرابلسي، وقد قدمت بدورها شهادة في حقه، معبرة عن تقديرها وامتنانها له على فضله العلمي عليها، وهذا الامتنان عبرت عنه كذلك الدكتورة لطيفة الأزرق التي تتلمذت على يديه، واحتفظت له بصورة متميزة، عنوانها التقدير والاحترام، وهو ديدن كل طلبته الذين نهلوا من معين معرفته النقدية والأدبية والبلاغية، وتلقوا على يديه أساسيات البحث العلمي وأخلاقياته.
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.