أبناؤنا والمسار الدراسي وسكين الحب القاتل
الكاتب نور الدين طويليع
نسمع كثيرا شكاوى لآباء وأمهات من أساتذتهم، ويتحول الموضوع أحيانا إلى صراع مرير، يلقي بظلاله الثقيلة على الأسرة والمؤسسة التعليمية معا، مما يستوجب وضع بعض النقط على الحروف وتصحيح أشياء، تسربت إلى تفكيرنا، وساهمت في خلق واقع، نعاني جميعا من تبعاته.
نسلم بداية بسلامة طوية الطرفين في الصورة العامة، فالأب يرجو النجاح لابنه، ويبذل كل ما في وسعه من أجل مساعدته على ذلك، والأستاذ أبٌ ثانٍ، يعد نجاح تلميذه وسام فخر له، لكن في التفاصيل تختبئ عناصر العصف بالعلاقة بين الطرفين، وتطفو فوق السطح علامات استفهام عريضة حول المسار الذي اتخذته هذه العلاقة، وحول أسبابها ومسبباتها التي خلقت مفارقة صارخة بين وحدة الهدف وتفرق السبل.
لا يمكن أن نحيط بالمشكل من جميع جوانبه، فهو يحتاج إلى نقاش عميق من منطلقات نفسية واجتماعية وتربوية وفكرية، لكن هذا لا يمنعنا من تسليط الضوء على نقطة في غاية الأهمية، نراها من الأسباب المباشرة في الإضرار بأبنائنا، وفي التأثير السلبي على تمدرسهم، وتتعلق بما نحيط به أبناءنا من حب زائد، وما نغدقه عليهم من حنان ورأفة وعناية، تزيد في كثير من الأحيان عن الحد، وتجعلنا نفقد توازننا العصبي بمجرد أن يخبرنا ابننا عن تعرضه لمعاملة خشنة من لدن أستاذه، أو عن تعرضه لغضبة منه، مما يدفعنا إلى إسقاط جام غضبنا سبا وشتما على الفاعل في حضرة الابن، غير منتبهين إلى أننا نهدم بذلك سلطة معرفية ونخربها، ونحرض ابننا على تجاوزها والاستهانة بها، وقد يكون الأجدر في هذه الحال الاحتفاظ بمشاعرنا في دواخلنا، ومعالجة المشكل بهدوء مع المعنيين بالأمر في أروقة الإدارات التربوية.
أحيانا يقتلنا الحب، وأحيانا أخرى نقتل بالحب، وهذا ما يقع لنا مع أبنائنا الذين نمنحهم منسوبا زائدا من حبنا، يجعلهم يأخذون تأشيرة الطمأنينة والتمرد على كل ما يمس بها، وهنا لا بد من التذكير بأن التعلم يحتاج إلى نوع من الصلابة وشيء من القسوة في حدود ما هو تربوي، وبعيدا عن التعسف والشطط، والمطلوب من الآباء أن يزكوا هذا التوجه، وألا يفتحوا لأبنائهم كوة الركون إلى الرفض والتمرد، لأنهم هم الخاسر الأكبر بهذا الصدد، ونستحضر في هذا السياق حكاية عبد الملك بن مروان مع ابنه الوليد، فقد كان يحبه حبا جما، ومن شدة حبه له لم يرسله إلى البادية لتعلم اللغة العربية من منبعها على لسان الأعراب الذين لم يخالطوا العجم، ولم تفسد ألسنتهم كما فسدت ألسنة ساكنة الحواضر، والنتيجة أن الوليد صار كثير اللحن، يرتكب أخطاء فادحة في اللغة، مما جعل والده يعض على أنامله من الغيظ قائلا: "أضر حبنا بالوليد".
لذلك أناشد الآباء من أجل التحلي بشيء من القسوة المصطنعة، والتغلب على مشاعر الحب، ومغالبة عاطفة الأبوة الجياشة، لسواد عيون أبنائهم، وضمان نجاحهم في مسارهم الدراسي، حذار ثم حذار من توقيع شيك الحب على بياض، سودوا بياض الورقة بشيء من حروف القسوة، لكن دون مبالغة، وحثوا أبناءكم على احترام أساتذتهم لوجه المعرفة، وتذكروا أننا في بعض الأحيان نهدم البنيان بسلوكنا، وفي نيتنا يسكن هدف تشييده، لكننا نعدم الحيلة المحققة لهدفنا النبيل، تذكروا جميعا هذا التوجيه من الإمام علي رضي الله عنه:" يجب أن نشفق على أبنائنا من إشفاقنا عليهم".
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.