العامل والمدير الإقليمي والإساءة المركبة
ـــ نورالدين الطويليع
بداية لابد من التنويه إلى أن هذا الموقف يشكل إساءة مركبة، ليس للمدير الإقليمي فقط، بل لعامل إقليم سطات، وللوطن برمته، فالحدث يقع خارج السياق الوطني، وتصرف من هذا القبيل طويت صفحته منذ زمن في إطار المفهوم الجديد للسلطة، ونعتقد جازمين أن ارتدادات هذه اللحظة المتشنجة ستأتي على كل الأطراف، بمن فيهم عامل الإقليم الذي خرق البروتوكول، وأخل بوضعه الاعتباري بوصفه سلطة دستورية، تضطلع بمهمة التنسيق بين المصالح الخارجية.
ولاشك أن المتربصين بالوطن سيجدون في هذه اللحظة المنفلتة من سياق التدبير الإداري، فرصة للنيل من المغرب، وتسويقها بوصفها عنوانا للقهر والتسلط وخرق الأعراف الإدارية، رغم علمهم المسبق بشذوذها الذي لا يمكن القياس أو البناء عليه، ولكن للدعاية المضادة منطقها الذي يقتضي اقتناص اللحظة لتسجيل نقاط في مرمى العدو، ولو كانت الطريق محفوفة بسوء النية والمراوغة ومخالفة الأعراف.
يجدر بنا، في ظل هذه الوضعية، الإشارة إلى العناصر الآتية:
-- توظيف كلمات نابية وجارحة من قبيل (اخرج علي - الزمر) يعبر عن فقدان عامل الإقليم لتوازنه العصبي، وإخلاله بما يقتضيه اجتماع إداري رسمي من تحفظ وانتقاء للألفاظ، وحرص على توظيف لغة إدارية، ولا يخامرنا شك في أن هذا الانفجار أعقبه ندم شديد، لاسيما أن الرؤساء لن يباركوا تصرفه هذا، وأن الإدانة واللوم والعتاب والمؤاخذة ستكون لغتهم الموحدة في مخاطبته.
-- يبدو أن لحظة الانفجار الغاضبة كان لها ما قبلها، وأن العلاقة بين العامل والمدير الإقليمي لم تكن في مستوى من الود والاحترام، ولذلك حضر الجانب النفسي وتعملق على حساب الجانب الإداري، ليلغي كل شروط التحفظ، ويوقع الفاعل في مستنقع الانتقام والغضب العارم.
-- وقع ما وقع في اجتماع المجلس الإقليمي، ولا شك أن عامل الإقليم صادق على جدول أعماله، وقد كان حريا به حذف النقطة التي أثارت الأزمة، والتواصل المباشر مع المدير الإقليمي بعيدا عن الأضواء.
-- الغضب والانفجار والتوتر الزائد قد يكون حيلة الضعيف الذي أوصدت في وجهه الأبواب، وهذا مما لا يتساوق ووضع عامل الإقليم، فهو يمثل السلطة التنفيذية، ويملك صلاحيات واسعة، وبإمكانه التواصل مباشرة مع مسؤولي وزارة التربية الوطنية، ووضعهم في صورة المشكل، ودعوتهم إلى إرسال لجان الافتحاص لمعرفة حيثيات المشكل واتخاذ الإجراءات اللازمة لحله... لذلك يظل موقف العامل محط تساؤل عريض، تنتصب علامات استفهامه التي لن تتأتى إزالتها إلا بوضع الحدث في سياقه، ومعرفة حيثيات العلاقة بين الاثنين، والإحاطة بما تعرفه من درجة السوء واللاتفاهم.
-- تأخر إنجاز بعض المشاريع قد يبدو للرأي العام إخلالا بالواجب، لكن ثمة مشاكل أعمق ترتبط بمشاريع رأت النور قبل أزمة كورونا، وتوقفت في ظل الأزمة، وأعرض المقاولون عن استئناف إنجازها بعد الأزمة، بسبب تغير المعايير وارتفاع الأسعار، ولذلك نعتقد أن سبب التوتر تراكمات، اجتمعت قبل أن تعلن عن نفسها في صورة انفجار نفسي، تطايرت ألفاظه كما تتطاير حمم بركان شهد نشاطا مفاجئا بعد كُمُونٍ ظاهر ونشاط خفي.
-- رغم حالة التشنج الظاهرة، امتلك عامل الإقليم ناصية اللباقة في مخاطبة رئيس المجلس الإقليمي، فاعتذر له عما صدر عنه، وهذه مفارقة تعكس الموقف النفسي الذي يجمع بين المغالاة في المجاملة لطرف، والتطرف في العداء ضد طرف آخر، مع العلم أن المجلس الإقليمي نفسه لن يعدم بدوره مشاريع معلَّقَة.
-- موقف عامل الإقليم ألغى جملة وتفصيلا وضع المدير الإقليمي، فهو رئيس إدارة، ويعمل تحت إمرته آلاف الموظفين، وكسر جناحه بهذه الطريقة يسقط هيبته، ويجعله في وضع لا يحسد عليه، ولاشك أن هذه الموقف ستترتب عليه أوضاع جديدة، ستلقي بظلالها السلبية على تدبير الشأن التربوي بالإقليم
-- بيان نقابة المفتشين ضد المدير الإقليمي لمديرية سطات لم يكن موفَّقا من الناحية الزمنية، فالإجهاز على الجريح عمل غير مقبول، وقد كان أولى بمن دبجوه تفادي هذه الخرجة في هذا الوقت بالذات حتى لا يُصنَّفوا في دائرة استغلال الحدث والاستقواء على الضعيف.
ختاما نرجو صادقين أن يكون هذا الحدث سحابة صيف عابرة، وأن يُعالَجَ المشكل من جذوره من لدن المتدخلين، حفاظا على سمعة البلد، وضمانا لسير المرفق العمومي في انسيابيته التي تكفل للجميع حقوقهم، وتحتم عليهم واجبات في إطار من الاحترام والتقدير المؤطَّرَيْنِ بالمساطر القانونية والإدارية
إرسال تعليق
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.