العرب بين ترمب وكارتر

   ــــــ نورالدين الطويليع

أثناء الإعداد لتوقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل سنة 1979, كان جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، يردد : "يجب تحقيق السلام، لكن دون إذلال السادات"، لأنه كان يراهن على تعميم السلام على منطقة الشرق الأوسط، ومن شأن ظهور السادات منكسرا أن يعطي صورة سيئة عن مسار التطبيع، وأن يدفع الشعب المصري إلى الثورة عليه، ويخدم أجندات المعارضين ويظهر صدق موقفهم وصواب رأيهم.

جيمي كارتر كان داعية سلام، وقد سخر حياته بعد انتهاء ولايته الرئاسية لنشر السلام من خلال مؤسسة كارتر للسلام، ويكشف كتابه "فلسطين: سلام لا فصل عنصري" الذي نشره سنة 2006 عن رؤيته العميقة لطبيعة الصراع التي تتلخص في ربط الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بمنح الفلسطينيين حريتهم وكرامتهم، مع التنويه إلى أنه لم يكن يوما معاديا للكيان الصهيوني، وكان يضع خدمته ضمن أجنداته، لكن هذا الخطاب الراقي لم يرق قادته، وصنفوه في دائرة سوئهم المرتبطة ببدعة معاداة السامية وتهمتها الجاهزة التي تطوق كل صاحب فكر حر ورأي مستنير.

صار هذا المثال ضربا من الماضي الغابر بعدما طفحت على السطح نسخة المسيحية الصهيونية في صورتها المتطرفة، وانتهت بهذه الصورة البشعة التي تفنن الثور الهائج في رسمها وإخراجها في قالب سوريالي مثير ومقزز.

تحول الموقف من التوصية بالحرص على كرامة القادة العرب، وتجنب إهانتهم، على الأقل، أمام الملإ، إلى المباهاة بالإهانة والتمادي في سحل قادة شبه الجزيرة العربية، وإظهارهم في صورة الضعيف الذي يستحق الشفقة، مما يتعارض مع القيم والأعراف الإنسانية والدولية، ويخلق وضعا مشينا، ويزيد في جرعة الحنق الشعبي، ويضع المواطن العربي في دوامة الإحساس بالدونية والذل والإهانة.

إن وضعا هذه سماته يستدعي تكتل الشعوب العربية، ومراجعة الأنظمة لحساباتها، وتقوية جبهتها الداخلية، وتعزيز الديمقراطية، وترك المراهنة على الدعم الخارجي، وقطع كل طرق الاندساس الأمريكي بين الأنظمة وشعوبها، فلسنا جميعا، حكاما ومحكومين، في حاجة إلى دروس من أحد... وهذا هو السبيل الوحيد لوقف زحف الإهانة الهمجية التي تصفعنا جميعا، وتصيب كرامتنا في مقتل.