التنظيم الإداري في الإسلام
تقديم
النظام الإداري وعلى اختلاف تسمياته وجد منذ القدم في مختلف المجتمعات، ولعل التعريفات الحديثة والدراسات قد تجحد حق الأمم السابقة في تبنيها للتنظيم وإدارتها لمختلف شؤونها الحياتية، فتنسبه إلى الغرب وتؤكد أن الفكر التنظيمي هو فكر غربي للتعامل مع المشاكل الإدارية بمنهجية علمية، في حين أنه ليس حديث النشأة بل تم اعتماده قبلا وبطريقة حضارية أرقى منها الإدارة في الإسلام حيث لم تكتف فقط بالهيكلة والتخطيط بل قيدته بمجموعة من النظم والمعايير الأخلاقية التي تضمن فعاليته وجودته واستمرار يته، كيف لا ومصدرها الأول هو القرآن الكريم.
التنظيم الإداري في النظام الإسلامي
يضمن النظام الإسلامي الحقوق ويحدد الواجبات للجميع على حد سواء، مما يجعل للفكر الإداري أسياسيات ومبادئ يعتمد عليها في التخطيط والتطبيق والأصل أنها مستمدة من كتاب الله تعالى ثم من سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فالإجماع فالقياس، كما أن بعض العلماء أضافوا حسب ضوابط معينة كلا من الاستحسان، العرف، المصالح المرسلة، سد الذريعة وقول الصحابي.
ووفق هذه النظم أسس الرسول صلى الله عليه وسلم أول دولة إسلامية في المدينة، لتكون مثالا للتنظيم والرقي الحضاري والمدنية، فقام ببناء المسجد ولم يقتصر تشيده على أداء الصلاة فحسب بل كان منطلق لإدارة باقي شؤون الأمة واتخاذ أهم القرارات المصيرية، حيث وزع المهام بين صحبه رضوان الله عليهم لإدارة هياكل تنظيمية معينة بعدما أدار بحنكة وحكمة الخلافات الداخلية، حيث أسس العلاقة بين المسلمين بعدما آخى بين الأوس والخزرج وهم أهل يثرب ( المدينة ) وأسماهم أنصار رسول الله، ثم وطد العلاقة بينهم وبين المهاجرين الذين جاؤوا من مكة ليكون نسيجا اجتماعيا موحدا.
وبعدها شرع في تنظيم العلاقات الخارجية مع أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى فعقد معاهدات صلح مع اليهود وأرسل الرسل إلى الفرس والروم وغيرهم من الأمم لتوسيع الدعوة ودعمها.
وثيقة المدينة وأسس التنظيم في إدارة شؤون المسلمين
كان التنظيم في بدايته على كل المستويات العقائدية، الإجتماعية، الإقتصادية والسياسية، ليتبلور في وثيقة المدينة وهي دستور محكم لإدارة المجتمع بنجاح.
وقد تم توثيق هذا النظام المحكم في نص الوثيقة التي بقيت شاهدة على براعة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدرته في قيادة وإدارة الدولة الناشئة لتتصير أعظم دولة في التاريخ.
وقد جاء في الوثيقة مايلي:
هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.
إنهم أمة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحارس (من الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو سعادة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبني الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
وأن لا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن.
وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضهم بعضاً.
وأن المؤمنين يبئ بعضهم عن بعض بما نال دماؤهم في سبيل الله.
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن.
وأنه من اعتبط مؤمناً قتلاًَ عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولى المقتول (بالعقل)، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه.
وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأنه من نصره أو أراه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
وأنكم مهما اختلفتم فيه من شئ فإن مرده إلى الله وإلى محمد.
وأن اليهود\nينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وأن يهود\nبني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم\nأو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
وأن ليهود\nبني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
وأن ليهود\nبن الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
وأن ليهود\nبني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
وأن ليهود\nبني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
وأن ليهود\nبني الأوس مثل ليهود بني عوف.
وأن ليهود\nبني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
وأن جفته\nبطن من ثعلبة كأنفسهم.
وأن لبنى\nالشطبية مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم.
وأن موالى\nثعلبة كأنفسهم.
وأن بطانة\nيهود كأنفسهم.
وأنه لا يخرج\nمنهم أحد إلا بإذن محمد.
وأنه لا\nينحجز على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا.
وأن على\nاليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه\nالصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
وأنه لا يأثم\nأمره بحليفه وأن النصر للمظلوم.
وأن اليهود\nينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وأن يثرب\nحرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
وأن لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد\nرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
وأن لا تجار قريش ولا من نصرها.
وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك\nفإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن\nالبر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو\nآثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهل يمكن تجاهل مقومات هذه الإدارة المحكمة من توجيه وتخطيط وتنظيم وتنسيق ورقابة تم تنميتها بوازع ديني أقوى من كل القوانين.
مؤلفات رواد الفكر الاسلامي في الإدارة
أولى الإسلام عناية خاصة بالفكر الإداري والدليل ما حققته الدولة الإسلامية من نجاحات في إدارة شؤونها وحل الأزمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده تماسك البناء التنظيمي في عهد الخلفاء الراشدين وامتداده حتى سقوط آخر خلافة، أما تصورات الغرب ونشره لدراسات حديثة ونظريات حول الفكر الإداري الحديث ليس سوى ترجمة لخلاصات المبادئ الإسلامية في التنظيم وتدبير شؤون الحكم مع اهمال الجانب الأخلاقي الذي ينبذ مبدأ الغاية تبرر الوسيلة المبرر لمقولة دعه يعمل دعه يمر.
وقد عكف العلماء المسلمون والمفكرون على التأليف في مختلف مجالات الإدارة ومن أبرزهم:
1- شهاب الدين أحمد بن محمد ابن أبي الرُبِّيع: عاش مابين (218 ـ 327هـ الموافق 733ـ 842م ) وكتب للخليفة المعتصم بالله مؤلفه الشهير \" سلوك المالك في تدبير الممالك\"، حيث يعرض فيه أحكام الأخلاق وأقسامها، وأصناف السيرة العقلية وانتظامها، وأخيرا أقسام السياسات وأحكامها.
2- أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري: يشتهر باسم المارودي (364 -450هـ ، 974- 1058م) صاحب أهم المؤلفات منها \"قوانين الوزارة وسياسة الملك\"، \"أدب الوزير\" ،\"نصيحة الملوك\"، \"تسهيل النظر وتعجيل الظفر\" ، و\"الأحكام السلطانية والولايات الدينية\" الذي يعرض فيه أصول الإدارة الحكومية الإسلامية، بدءا من الخلافة ثم الوزارة والديوان وصولا لتعداد مختلف الأقسام الإدارية من قضاء وأموال ولاية خارجية وغيرها.
فكل هذه المؤلفات في توجيه الإدارات وغيرها تعتبر من أهم المساهمات التي أثرت علم الإدارة بمفهومه الحديث بغير ما يصوره الغربيون بنسبه إليهم فقد كان السباقون إليه أعلام الفكر في العالم الإسلامي بما يوافق منهاج الرسول عليه الصلاة والسلام.
إرسال تعليق
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.