بين اللسانيات النصية واللسانيات التعليمية: مناقشة أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه للباحث مراد جدراوي
بين اللسانيات النصية واللسانيات التعليمية: مناقشة أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه للباحث مراد جدراوي، بإشراف الدكتورة رحمة توفيق، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
متابعة: محـمد عواد
19 أبريل 2025
ناقش الطالب الباحث "مراد جدراو أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، وسمها بـ"دور الترابط النصي في إنتاج المعنى وبناء الكفاية اللغوية: مقاربة لسانية ديداكتيكية"، وذلك يومه الخميس 17 أبريل 2025 بقاعة عبد الكبير الخطيبي، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، وهي أطروحة أشرفت عليها الدكتورة رحمة توفيق، ونوقشت أمام لجنة علمية يشهد لها بكفاءتها العالية، لاسيما في تخصص الدراسات اللسانية، وتكونت من:
- الدكتور أحمد بريسول رئيسا
- الدكتورة السعدية الصغير عضوة ومقررة
- الدكتور الخامس مفيد عضوا ومقررا
- الدكتورة رحمة توفيق مشرفة ومقررة
هذا وقد قدّم الباحث تلخيصا حدد فيه الخطوط العريضة التي تطرق إليها في هذه الأطروحة، والتي سعى فيها إلى معالجة بعض المشاكل التي تعيق تعليم الدرس اللغوي في الأسلاك التعليمية بالمغرب، ليركب بذلك مجالا بكرا في مجال اللسانيات؛ إذ قارب بعض النصوص التي تقدّم للمتعلمين في الأسلاك التعليمية. وهي مقاربة جمع فيها بين حقلين معرفيين هما: اللسانيات النصية واللسانيات التعليمية، وحاور فيها النصوص التعليمية من منظور تركيبي ودلالي وتداولي (ذريعي)، ساعيا إلى التحقق من "مدى قدرة الترابط النصي على إنتاج المعنى وبناء الكفاية اللغوية عند متعلم السنة الثانية بكالوريا"، وذلك من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة أهمها:
- كيف انتقل الدرس اللساني من لسانيات الجملة إلى لسانيات النص؟
- ما العلاقة بين المعنى والتمثيلين البصري والذهني؟
- كيف تبنى الكفاية اللغوية وتتطور في السنة الثانية بكالوريا؟
- ما العلاقة بين مفهوم الترابط النصي وبناء الكفاية اللغوية؟
- هل هناك آليات أخرى للاتساق غير تلك التي حددها كل من "هالداي" و"رقية حسن"، من خلال كتابهما "الاتساق في اللغة الإنجليزية"؟
اعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي ليقف على الآليات اللغوية والعلاقات المعنوية، وعلى تفاعلها وتضافرها في بناء دلالة النصوص، متخذا من نصي "عناصر الهوية الثقافية ومستوياتها" لمحـمد عابد الجابري، و"أثر الثقافة السياسية في النظام السياسي" لعليوة السيد متنا أساسا للتحليل، إضافة إلى نصين فرعيين؛ أحدهما بالإنجليزية والآخر بالفرنسية. واستند الباحث مراد جدراوي على آليات الاتساق عند كل من "هالداي" و"رقية حسن"، وعلى شروط الترابط الدلالي عند "فان دايك"، وعلى أبحاث اللسانيات النصية عند "جون ميشال آدم"، وعلى مبادئ الانسجام عند "ج. ب. براون و"ج. يول" إطارا نظريا للتحليل.
توصل الباحث في هذه الأطروحة إلى نتائج مهمة ونوعية؛ أهمها أن مكوّن النصوص يتأسس على الترابط بوصفه، بتعبير الباحث، "المعطى الأساسي الضامن لإنتاج المعاني الجزئية في المقاطع اللغوية، ولإنتاج المعنى الكلي في النص"، وهو حكم استند فيه الباحث إلى البناء اللغوي المحكم، وإلى تعدد الآليات الاتساقية والأساليب الحجاجية التفسيرية، التي ميّزت نص محـمد عابد الجابري، الذي تهيمن فيه آلية الوصل لاسيما رابط الواو، الذي يؤدي الوظائف التكثيفية والاختزالية ومطابقة السمات الدلالية بين الموصولين، إضافة إلى الإحالة التي تميزت بسيادة الإحالة بالضمير، أضف إلى ذلك أن الاستبدالين القولي والاسمي أسهما في نسج المتواليات اللغوية وفي نهج استراتيجية الاقتصاد اللغوي. كما جزم الباحث بأن هذا النص منسجم دلاليا؛ إذ التأويل محصور ومحدد، من خلال تحقق خصائص السياق، ومبدإ التأويل المحلي، ومبدإ التشابه الذي منح المتلقي إمكانية التنبؤ والتوقع عبر آلية التناص، دون أن ينسى الباحث مبدأ التغريض الذي أسهم في وحدة الموضوع ووضوح أفكاره ومفاهيمه.
ومما يؤيد الحكم السابق (تأسُّس مكون النصوص على الترابط) أن الأنموذج الثاني المدروس في هذا البحث (نص عليوة السيد) كان على درجة عالية من الاتساق؛ إذ عمد صاحبه إلى توظيف مجموعة من آليات الاتساق النحوية والمعجمية، من وصل إضافي بالواو، وإحالة نصية بأنواعها، لاسيما الإحالة القبلية بالضمير، إضافة إلى التكرار، والتضام، والاستبدال القولي، والحذف، والتوازي التركيبي. ويُحسب للباحث أنه توصل إلى آلية جديدة للاتساق النصي؛ أطلق عليها "الترتيب الأبجدي أو الألفبائي أو الرقمي"، وكلها آليات أسهمت في التماسك الشديد للنص إلى درجة الاعتقاد بأنه فقرة واحدة. أما فيما يخص الجانب الدلالي، فقد استند الباحث في الحكم بالانسجام الدلالي للنص إلى وضوح خصائص السياق ومبادئ الانسجام، كما هو الشأن بالنسبة إلى النص الأول.
واستنتج الباحث مراد جدراوي، من خلال تحليله لنصين أحدهما باللغة الإنجليزية والآخر باللغة الفرنسية، أن ظاهرة الترابط عابرة للغات؛ إذ تحضر في النصين معا، وهو ما دفعه إلى الحكم "بتحقق النصية في كل واحد منهما، فالآليات الاتساقية الواردة في النصين لا تكتفي بنسج المتواليات اللغوية، بل تمتد إلى إنتاج المعنى فيها"، ومن ثم فمكون النصوص ينبني بالأساس على الترابط. والهدف من تدريس مكون النصوص هو بناء الكفاية اللغوية التي تمكن المتعلم من حسن التصرف إزاء ما تعترضه من مشكلات؛ لغوية كانت أم غير لغوية، وفي وضعيات تعليمية أو حياتية مختلفة.
وبالنظر إلى أهمية موضوع هذه الأطروحة وجدّته وما بذله الباحث من جهد في تحليل النصوص، وفي ترجمة الاقتباسات التي استقاها من المراجع الأجنبية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى التزامه بتنقيح أطروحته بناء على توجيهات اللجنة العلمية وملاحظاتها وتصويباتها، فقد ارتأت هذه اللجنة أن تمنح الباحث مراد جدراوي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع، وذلك بعد جلسة المداولة التي حضرها السيد نائب العميد المكلف بالبحث العلمي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المناقشة العلمية شهدت حضور عدد كبير من الأساتذة الذين اعترف الباحث بفضلهم الكبير في تكوينه العلمي، وفي تشجيعه وتوجيهه، وتيسير مختلف السبل الإدارية والأكاديمية لإنجاز أطروحته، كالدكتورة نعيمة الواجيدي، والدكتورة لطيفة الأزرق، والدكتورة ثريا وقاص، والدكتور عز العرب إدريسي أزمي، والدكتور والكاتب محـمد بازي، والدكتور محـمد ايت الطالب، إضافة إلى عائلة الباحث وأصدقائه وثلة من الطلبة والباحثين والمهتمين بالشأن اللساني والتربوي.