ماذا يفعل تلميذ أُمِّيٌّ مُتعثِّر في الثالثة إعدادي؟ من المسؤول؟

ماذا يفعل تلميذ أُمِّيٌّ مُتعثِّر في الثالثة إعدادي؟ من المسؤول؟


ماذا يفعل تلميذ أُمِّيٌّ مُتعثِّر في الثالثة إعدادي؟ من المسؤول؟


نور الدين الداودي أستاذ متقاعد
          مديرية العيون 

في ركن من أركان القسم، يجلس تلميذ بلغ الثالثة من التعليم الإعدادي، لا يفرّق بين الفاعل والمفعول، ولا يميز بين الفكرة العامة والفكرة الفرعية، ولا يقوى على قراءة جملة بسيطة مفادها: *"حدِّد الفكرة العامة للنص"*، تلميذ أنهكته سنوات من التواطؤ المؤسسي، انتقل من مستوى إلى آخر دون أن يُسأل مرة واحدة عن تحصيله، أو يُختبر في كفاياته الأساسية، أو يُوقف لينال حظه من التكوين والدعم، كيف تسلل هذا التلميذ من السنة الأولى ابتدائي إلى الثالثة إعدادي وهو لا يملك من أدوات اللغة ولا من مفاتيح الفهم إلا القشور، الإجابة موجعة لكنها واضحة كالشمس، **الخريطة المدرسية**، هذه السياسة التي أفرغت التعليم من معناه ورفعت شعار: *"دعه يمر، دعه ينجح"*، حتى وإن كان النجاح وهماً، والمرور عبثاً، تحت ذريعة محاربة الهدر المدرسي تم تحويل المؤسسة التعليمية إلى قناة عبور لا تقيس الكفاءة ولا تكرّس الاستحقاق، بل تُبقي المتعثرين في النظام دون بوصلة، ودون أمل، ودون مساءلة، هؤلاء المتعثرون حين يجدون أنفسهم في فصل لا يفقهون منه شيئًا، محاطين بزملاء يقرؤون ويناقشون ويحللون ويبدعون، لا يجدون ملاذاً إلا في العنف والتشويش والمشاغبة، إنها آلية دفاعية لمن فقد القدرة على الفهم، وافتقد لغة الحوار، وعجز عن اللحاق بركب أقرانه، هكذا يتحول القسم من فضاء للتعلم إلى ساحة توتر، ويغدو الأستاذ موزَّعًا بين من يستحق ومن يُعرقل، بين من يطلب المعرفة ومن يفرض الفوضى، وتتعالى بعدها الأصوات بالبكاء على واقع التعليم، متجاهلة الجُرح الغائر، منظومة تفرض الانتقال القسري، وتُسوّق الوهم في تقارير رسمية مزيّفة، تُزين الأرقام وتُخفي الكارثة، أما الأستاذ، فغالبًا ما يُترك وحيدًا في ساحة المعركة، دون تكوين متين، أو تأطير جاد، وأحيانًا يُكلَّف بتدريس مواد لا تمتّ لتخصصه بصلة، فتجد مجازًا في القانون يُدرّس الفرنسية، ومجازة في الفيزياء تُعلّم اللغة العربية، فأي تعليم نرجو في ظل هذا العبث، ثم تأتي الترقية والتوظيف الجهوي بما فيه من غموض ومحسوبيات وكولسة لتزيد الطين بلة، إن المسؤولية، وإن كانت موزعة بين الأسرة والمؤسسة والمجتمع، فإن الوزارات الوصية، والمديريات الإقليمية، والمفتشين، والإدارات التربوية، تتحمل القسط الأوفر من هذه المأساة، لأنهم يملكون القرار ولم يملكوا الجرأة لإصلاح جذري، فلو وُضعت معايير صارمة للانتقال من مستوى إلى آخر، تضمن التمكن من الكفايات الأساسية، لَما وصل إلى الثالثة إعدادي إلا من استحق، ولبَرَز النخبة من المتعلمين، ووجدنا في البكالوريا زُبدة الزُبدة، لا النطيحة ولا المتردية، أما المتعثرون، فلهم الحق في التكوين المهني، أو التوجيه نحو مجالات أخرى تناسب ميولاتهم، بدل أن يُزجَّ بهم في مسارات لا تُناسبهم، فتزيدهم ضياعًا فوق ضياع، وأتحدّى الجميع أن يُحضِروا تلميذًا من هذا الصنف، ممن بلغ الثالثة إعدادي وهو لا يعرف أن يقرأ أو يكتب جملة مفيدة، أعطوه ورقة الفرض والكتب المدرسية والدفاتر والهاتف النقال، ولن يحصل على المعدل، ورب الكعبة، إنه عاجز أمي لا يفهم ولا يقرأ، ولو أعطيته الأجوبة كاملة لكتبها بشكل خاطئ، أو في المكان الخطأ، أو نقلها دون أن يفهم منها شيئًا، إنها حالة مبكية، لا تُحتمل، ولكم أن تجربوا ذلك، في النهاية، نحن لا نواجه أزمة تلميذ، بل أزمة ضمير، أزمة نظام يُنتج الفشل ثم يُنكره، ويزرع العجز ثم يلعنه، فإلى متى سنواصل دفن رؤوسنا في الرمال