بعض أسباب الموقف السلبي للتلميذ من المدرسة
بقلم: محمد النوادير- مفتش التوجيه التربوي إنزكان
في هذه المداخلة المتواضعة، سنحاول التطرق إلى
موضوع عنوان المقال لكن في مكان محدود ألا و هو المؤسسة التعليمية دون
الارتماء إلى البنيات و المستويات الأخرى.
ربما سيبدو الأمر هينا للوهلة الأولى لأن القدرة على التحكم في جغرافية فضاء ما
تعطي الانطباع بأن حتى الاشتعال و البحث
في تفاصيل ما بداخله سيكون بنفس السهولة
التي نتخيلها، متجاهلين ربما عن قصد أو عن
غيره بأن كل ما تبذله الوزارة من مجهودات بشتى أشكالها و على جميع مستوياتها
المركزية، الجهوية، الإقليمية و المحلية يتجسد و يأخذ شكله، حجمه و قيمته الحقيقية
داخل أسوار المؤسسات التعليمية. من هنا تأتي صعوبة حصر الحديث عن مشاكل التعليم فقط في هذا
المجال الضيق ومعرفة مدى مساهمة التلميذ فيها. إن اختيارنا لهذا الموضوع مرده
بالأساس بعض الاعتبارات نذكر منها:
أولا لأن اشتغالنا داخل المؤسسة التعليمية يسمح
لنا بالحديث و عن معرفة بحقيقة الأشياء عن هذا الموضوع و ثانيا لتجنب
التعقيد و لو على الأقل المنهجي الذي تطرحه مناولة موضوع أزمة التعليم ببلادنا. و
في اعتقادنا المتواضع، فإن الانطلاق من المؤسسة و بالتحديد من التلميذ لفهم ما
تعانيه المنظومة التربوية من صعوبات يبقى هو الأساس و الأفضل.
يكاد يجمع كل العاملين في الحقل التربوي، أطر
إدارية و تربوية، أن أغلب المشاكل التي تعانيها المؤسسات التعليمية يكون بطلها
التلميذ بالأساس. فجميع مظاهر العنف المسجلة و الملاحظة سواء تجاه الممتلكات و التجهيزات أو تجاه أطر المؤسسة او فيما بين التلاميذ
أنفسهم، تكاد تكون السمة الأكبر لدى هذه المؤسسات، بحيث أن الجميع أصبح يؤدي ثمنا
معينا نفسيا، معنويا أو ماديا بسبب سوء أوضاع مؤسساتنا التعليمية.
كما أن استهتار التلميذ بكل ما
يرتبط بالشأن التربوي وصل إلى درجة تكاد تخرج عن السيطرة: فالتأخرات، الغيابات
الغير مبررة، عدم إحضار اللوازم الدراسية، عدم إنجاز الواجبات المنزلية، النزوع
إلى أساليب غير شرعية للحصول على نتائج جيدة، ضعف المستوى الدراسي و عدم بذل أي
مجهود لتحسينه، ممارسات و تصرفات متنوعة تفتقد للآداب و الاحترام، رفض إحضار ولي
الأمر عند تسجيل مخالفة تستوجب إخبار الأسرة، ما هي إلا الشجيرات الصغيرة التي
تخفي وراءها كما هائلا من المشاكل و الصعوبات الحقيقية التي تتخبط فيها مؤسساتنا
التعليمية و مؤشرات لصورة قاتمة عن واقع التعليم ببلادنا. وضع كهذا يستدعي من الجميع، من جهة البحث عن الأسباب التي
أدت إلى فرز مثل هذه النتائج و هذه السلوكيات الغير مرضية للجميع ، و من جهة
ثانية، العمل على إيجاد السبل و الصيغ التربوية المناسبة لوضع حد لمثل هذه المظاهر
.
سيكون بالنسبة لنا من الغير
المنطقي و من غير المنصف أن نحمل التلميذ كل هذه السلبيات، صحيح أن أغلب مؤشرات
فشل منظومتنا تظهر على التلميذ لكونه المرآة الحقيقية التي تعكس آثار السياسات
التعليمية التي تنهجها الوزارة، و لكن تبقى مسؤوليته ضئيلة إن لم تكن منعدمة فيما
يخص هذا الموضوع بالذات.
لكن و مع الأسف الشديد، أضحى وصف
دور التلميذ بالسلبي هو الشائع عند أغلبنا، لأنه ظاهريا، هو الفاعل لكل ما تعرفه
المؤسسة من تكسير و تخريب لتجهيزاتها، و
هو المسؤول عن رداءة مستواه الدراسي، عن أفعاله العنيفة تجاه العاملين بالمؤسسة، هو الذي يلجأ
إلى استعمال كل أساليب الغش من أجل النجاح في الامتحان، إلى غير ذلك من السلوكيات
التي تيسر علينا إصدار حكم قيمة سلبية على التلميذ و بالتالي جعله هو المسؤول عن كافة
هاته الأفعال.
و في نظرنا، مقاربة الموضوع
بهذه الطريقة تبقى أقصر طريقة و أقلها
جهدا لتبرئة ذواتنا من أي مسؤولية و إلقاء اللوم على الآخر. و إذا سألت المتعلم عن
المسؤول على وضعيته المزرية ، فسيجيبنا وبدون تردد أن الأستاذ هو المسؤول، و عندما
تعمق النقاش مع الفاعل الميداني و تجعله تحت
تأثير منطق الأشياء مضطرا للارتقاء بتحليله، ستتحول التهمة من التلميذ إلى النيابة و منها إلى الأكاديمية
لتصل إلى الوزارة و لنقل على التوالي النائب، المدير و الوزير للحفاظ على صفة
الفاعل. و في أكثر من تصريح لهذا الأخير و لأسلافه، فإن المسؤول هو من يقوم و يشرف
على الفعل التربوي داخل المؤسسة أو بالتحديد داخل الفصل . لنبقى ندور و منذ زمن
بعيد في حلقة مفرغة لا ندري متى سنجد حلا للخروج منها. فثقافة النأي بالنفس و
تحميل الآخر المسؤولية في تخلف منظومتنا التربوية هي التي أصبحت عنوان التحاليل و
النقاشات التي تدور حول موضوع التربية و التعليم، الكل يعتقد أنه كامل و مكمول و
الآخر هو من يجب أن يتحمل و الكل يبدو مقنعا
بما يعرضه من براهين و تبقى في الأخير الحقيقة ضائعة بين هذا و ذاك
و مستقبل اجيال من الشباب يضيع في متاهات التحليلات و النقاشات العقيمة ما دام أنها لم تحل المشكلة لحد الآن .
فإذا أخذنا ظاهرة العنف
المدرسي الذي يمارسه المتعلم داخل الوسط المدرسي، فإنها و إن كانت امتدادا لما
يفعله في المجتمع و خارج بيئته الصغيرة التي هي المدرسة ، فإنها لا تنفي مسؤولية
من يسهرون على الشأن التربوي في ذلك. فأغلب المحللون للظاهرة يعتبرونها ردات فعل تكاد تكون طبيعية بالنظر لما يتعرض له
من عنف رمزي و مادي، تتجلى في الإهانات
شبه مستمرة دون إعطاء قيمة لكينونته
الإنسانية المتجلية في احترام شخصيته، تطلعاته، حقوقه الأساسية في التربية و
التعليم الجيدين...فعدة ممارسات سيئة تجاه التلميذ يتم تسجيلها مرات عديدة من قبيل
إكراهه على الخروج من القسم و حرمانه من الحصة الدراسية لسبب من الأسباب و قد تكون
في أغلب الأحيان غير تلك التي يسمح بها العرف و ليس القانون و هو عرقلة السير
العادي للدرس. كما أن عتبار التلميذ دائما متلقيا و مفعولا به و ليس مساهما و
فاعلا في العملية التعليمية و عدم اعتباره
أقوى حلقة في المنظومة كلها بالفعل و ليس بالقول فقط، كل هذا يخلق له في أغلب
الأحيان الشعور بالدونية و بكونه قاصرا و غير مسؤول و بالتالي يؤسس لتصرفاته
و علاقاته على هذا الأساس.
كما أن المناهج ، المقررات
المعتمدة و أساليب التدريس تبقى مصدرا كبيرا لقلق و نفور التلميذ من الحياة
المدرسية. ينضاف إلى ذلك غياب الأنشطة الموازية أو ندرتها . تلك الأنشطة التي غالبا ما تفتح
الفرصة للتميذ للتعبير عن مواهب، طاقات و
قدرات لا يمكن الكشف عنها من خلال
البرامج، المناهج و الأنشطة الرسمية المعتمدة. فعدم إعطاء التلميذ فرصا أكثر
للتعبير عن ذاته و تفجير طاقاته تبقى من الأسباب المولدة للعنف.
و بالنظر إلى كل هذه المعطيات،
فإن المدرسة المغربية و منذ عقود مضت و إلى حد الآن لم تستطع أن تقدم منتوجا
محبوبا و مشوقا لدى المتعلم و تجعل من
المدرسة فضاء للإبداع، لصقل المواهب و لتطوير الكفايات الحياتية، و يكفينا أن نرى
مدى فرحة المتعلمين الصغار و الأبرياء بطبيعتهم عند غياب أستاذهم لنعرف مدى كراهية
أبنائنا للمدرسة وكم سترتفع نسبة الغياب إن خيرناهم في الدخول من عدمه للحصص
الدراسية. فأي تعلم يتم تحت الإكراه و
التخويف، الزجر، العقاب و الإهانة، يبقى دون الأهداف المرجوة. و لعلنا سنجد في جيل الستينيات و ما بعدها عبرة لنا. فالنماذج
التربوية التي اعتمدت القهر و العقاب المفرطين تجاه المتعلم هي التي أنتجت لنا
النخبة المسؤولة عن تدبير شؤون البلاد في وقتنا الراهن. فهل نحن راضون عن أداء هذه
النخبة؟ إن جل ما تعانيه هذه الأخيرة من اختلالات في صياغة مشروع مجتمعي سليم و قادر على مواجهة تحديات العصر، و يعتمد على رأسمال بشري مؤهل علميا و
تكنولوجيا، و منفتح على ثقافات العالم المختلفة
لابد أن تجد له تفسيرا ما في النظام التربوي الذي ترعرعت في كنفه.
إن المدرسة المغربية تبقى و حتى
إشعار آخر غير جذابة ودون الفعالية المرجوة والأخطر
من هذا و ذاك، فهي في بعض الأحيان تصبح
أداة مدمرة لكفاءات و مواهب الناشئة. لذا، فإن التلميذ سيبقى ضحية لمنتوج
تربوي متهالك يهدر فيه أغلى فترات عمره و موارد مادية مهمة ليلقى نفسه في الأخير
كائنا لا يليق لأي شيء. و الوزارة ستستمر ، بعد تعيين كل وزير، في إبداع مفاهيم و
مقاربات للإصلاح و حمى الاجتماعات و اللقاءات
تنتشر في جميع الأكاديميات و النيابات دون أن تصل الاثار إلى المؤسسات
لأنها و باختصار لا تعدو عن كونها ملهاة و
مادة خصبة للاستهلاك .