قصة قصيرة : رفضت لأني فقير
بقلم محمد السرحاني
رغم بعد المسافة إلاّ أنه أبى الإستسلام ، امتطى دراجته الهوائية و قرر أن يغامر كل تلك المسافة فقط ليرى شيئا ما و لو كلفه ذلك أن يبيت في العراء لكن لابأس المهم أن يجد ضالته ، فانطلق لمسافة تبعد حوالي سبعين كيلومترا عن سكناه ممتطيا دراجته الهوائية وهو يهمس في نفسه قائلا : يجب أن أجد ما أبحث عنه و لو رؤيته فقط
فهو مصمم على مغامرته تلك وفعلا وصل إلى وجهته المنشودة بجهد جهيد ليدخل تلك القرية ذات السكن المتفرق و الكثافة السكانية الضعيفة و بالقرب من حافة توجد فوقها طريق غير معبدة تعلوها غابة من الأشجار الصنوبرية فعلا منظرها جميل و من تحت هذه الطريق يوجد مسجد ذو الصومعة البيضاء يحيط بها شريط أخضر اللون ، بدأ يجول في تلك القرية الجبلية وهو يبحث ببصره هنا و هناك إلى أن ارتكزت عيناه أمام مدرسة يخرج منها الأطفال من كل صوب ، لكن بعد وهلة قصيرة رأى ما يبحث عنه ظل ينظر من بعيد ويراقب بعينيه ولا يصدق نفسه و يسأل نفسه قائلا : هل فعلا نجحت مغامرتي من الوهلة الأولى ؟
فعلا إنها الأقدار......
تقدم إلى الأمام بخطوات تملأها الثقة والثبات ليقف أمام باب المدرسة، وتقف أمامه بحوالي ثلاثة أمتار فتاة في عامها الرابع والعشرين على ما يبدو من خلال ملامحها، هو يعلم أنها تشغل منصب أستاذة، وبثقة بالغة ألقى عليها السلام، لكنها لم تجبه، وهو يعلم في نفسه أنها تعرفه حق المعرفة فقد درسا سوياً فيما مضى من الأيام الخوالي، أرادت أن تتقدم لتكمل طريقها لكنه طلب منها أن تعطيه هنيهة من الزمان كي يقدم سبباً لحضوره إلى هنا، اخبرها أنه يريد أن يتقدم لخطبتها، وأنه جاء إلى هنا كي يخبرها بذلك، فبدت آثار الإستغراب و الدهشة ظاهرة على وجهها ، ببساطة لأن مقامه أقل شئنا حيث يظهر ذلك من هندامه..... اعتذرت منه للإنصراف و ختمت كلامها بأن قالت له : عليك بمنزل أبي إن كنت صادقا فيما تقول
هذه الكلمات كانت كافية لتغرقه في بحر من الأمل و الخيال الواسع بأنه سيتزوجها أخيرا ، نعم هذا هو حلمه الذي طالما شقي و تعب من أجله و ها هو باب الأمل قد بدأ يدق بابه...
مرت أيام قليلة حتى أتى الشاب المسكين رفقة والديه لخطبة الفتاة، فما كان من أبوها إلا أن قدم سؤالاً للشاب المسكين ، ما هي وظيفتك؟
فأجابه ببرود: بصراحة أنا مجاز في شعبة الجغرافيا و ما زلت أبحث عن عمل قار لكنني أشتغل تارة في بيع الخضر وتارة أعمل كبنّاء.....
فما كان من أب الفتاة إلا أن أطلق ضحكة هستيرية وصاح قائلاً: كيف لي أن أزوج ابنتي التي تعمل كأستاذة رفيعة المستوى لشاب لا يملك ربع ما تملك هي في الشهر الواحد!!!
الشاب مجيبا: ولكن ياعمي....
قاطعه الأب قائلا: اسمع يا بني مقامك ليس هنا ولن أرضى لابنتي ب شاب مثلك..
..
قاطعه الأب قائلا: اسمع يا بني مقامك ليس هنا ولن أرضى لابنتي ب شاب مثلك..
كلمات كالشراة انهالت على الشاب المسكين الذي دارت به الدنيا و رمته بعيدا سابحا في ظلمات الرفض من أول محاولة له و أمام أعين والديه الذين وقفوا مشدوهين من رد فعل هذا الرجل ويلاحظون شحوب وجه الفتاة التي لم تتوقع هذا التصرف الصادر من أبيها و كأنها تقول اعطهم فرصة كي يوضحوا أكثر
ولأول مرة سينطق والد الشاب موجها كلامه لأب البنت قائلا : ولكن يا أخي لم ترى رأي الفتاة ابنتك في ولدنا هذا ؟
فأجابه قائلا : ها هي أمامك اسئلها ؟
فسألها أب الشاب ما رأيك يا بنيتي ؟
فأجابت و آثار الخجل و الخوف على وجهها : ما يراه أبي مناسبا فلا يمكنني أن أعارضه و انصرفت من المجلس فور انتهاءها
انصرف الشاب رفقة والديه في تذمر من ضيافة رجل الفتاة لهم و طريقة معاملته لهم
فأحزها الشاب في نفسه
و توالت أيام بعدها شهور ليقرر الشاب المسكين بأن عليه أن يفرض نفسه بطريقة ما و يصبح إسمه على كل لسان حينها قرر أن يكتب .....
أما الفتاة فتقدم إليها شاب يشغل منصب مفتش في التعليم كانت قد تعرفت عليه أثناء فترة عملها بنفس المدرسة فلم يرفضه أبوها بطبيعة الحال لأنه ببساطة وجد ما يبحث عنه ، ومع مرور الأيام تزوجت الفتاة بذلك الذي يليق بمستواها المعيشي لكن للاسف لم تكن تدري بأنه دخل هذه المغامرة بدافع الطمع ففي ظرف سنة واحدة استطاع هذا الأخير إقناعها بأن تقترض مبلغا كبيرا من المال لأجل شراء منزل بواصفات عالية و سيعيد لها ما أنفقت عندما تتم ترقيته ، و ما إن اقترضت ما طلب حتى قام بحزم أمتعته و توجه خارج البلاد ليتركها غارقة في ديونها التي تتطلب سنوات من العمل لإعادتها ، لتكون هذه أول ضربة موجعة للفتاة التي رفضت الشاب بتخويل رأيها لأبيها والذي رفض الشاب بدوره فكانت هذه نتيجة طمعه و سكوتها هي عن عدم إعطاء رأيها .....
لنعد إلى الشاب المسكين فقد أمضى أيامه بكتابة أول سيرة تخصه حتى اللحظة التي رفض فيها بدافع الفقر و سمى أول رواية له " رفضت لأني فقير " و بعد عرضه الرواية للنشر فقد لاقت جدلا واسعا و كبيرا من خلال أسلوبه المميز و طريقته في الكتابة التي تبهر القارئ و تشده لمعرفة حقيقة الفوارق الموجودة في المجتمع ، فزادت كتاباته انتشارا و ذاع صيته وسط جمهور القراء حتى فوجئ أحد الأيام بإحدى القنوات التلفزية تستدعيه لعمل لقاء معه مباشر ، فما كان منه إلا أن لبى النداء ، حينئذ كانت الفتاة و أبوها يشاهدان نفس القناة ليتفاجئا بذلك الشاب المرفوض فيما قبل و قد علا شئنه من خلال استدعائه لبرنامج لا يكون ضيف شرفه إلا تلك الفئة التي تضع بصمة في المجتمع من علماء و كتاب و أدباء.....
بعد أن عرّف الشاب بنفسه أمام الكاميرا أخذ المذيع يطرح عليه أسئلة من هنا و أسئلة من هناك إلى أن طرح عليه سؤالا كان الشاب ينتظره بلهفة ، لقد رأينا في الآونة الأخير أنك أبدعت في كتابة عدة روايات لكن لاحظنا و كما لاحظ الجميع أن روايتك الأولى قد ذاع صيتها في كل مكان حتى أنها ترجمت للغة الفرنسية و اللغة الأنجليزية هل يمكنك أن تقدم لي فكرة عامة عن سبب كتابتك لها و عن مضمونها و كيف جاءت فكرة كتابتها ؟
حينها أخذ الشاب نفسا عميقا و قال : سأجيب على أسئلتك وذلك بإعطائي نظرة شاملة حتى يتسنى للمشاهد معرفة ماذا يحدث في الواقع الذي يجهله الكثير ،
عندما كنت في مرحلة الجامعة كان همي الوحيد هو التحصيل العلمي و التفوق في دراستي و فعلا واضبت على ذلك ، إلى أن حدث في أحد الأيام أن أثارت انتباهي فتاة تدرس معي كانت من بين الفتيات اللاتي لا يختلطن بالشباب في الفصل ، فبالإضافة إلى هندامها الذي يوحي بأنها ملتزمة أعجبت بها و أعجبت بأخلاقها فما كان مني ذات يوم إلا أن أوقفتها لكنها لم تعطيني وقتا و قد كنت أتوقع ذلك إلى أن خاطبتها قائلا بأنني أريد عنوان منزلكم فقط ففهمت ما أقصد و أعطتني العنوان و مرت شهور حتى انتهى العام الدراسي فكان النجاح من نصيبها وكان إكمال الدراسة من نصيبي بعد رسوبي ، المهم أن هذه الفتاة وجدت لنفسها وظيفة محترمة كأستاذة كما ذكرت ذلك في روايتي " رفضت لأني فقير " و عند تخرجي فعلت كل ما بوسعي لأحصل على وظيفة محترمة فكان الفشل من نصيبي فقد حدثوني من قبل أن النساء يحصلن على الوظائف بسهولة و اشتغلت في ميادين عدة في بيع الخضر و في نقل الرمال و غيرها من الأعمال الشاقة ، إلى أن جاء يوم وقررت فيه الزواج و كان أول اختيار لي هو تلك الفتاة المحترمة فقررت في أول خطوة أن أذهب إلى مقر عملها البعيد كي أخبرها بذلك فما كان مني كما جاء في الرواية إلا أن امتطيت دراجتي ..................
ختم كلامه قائلا : تجربة واحدة تكفيني
وأضاف قائلا : كل ما استنتجته و هو أن الوظيفة يمكن أن ترفع من شأن الإنسان أو أن تحط من قيمته
و هو أن الطمع يطيح بصاحبه فيما لا يرضاه
وهو أن الشباب الفقير لا مكان لهم للزواج أتدرون لماذا ؟ لأنهم يتقلون كاهله بطلبات خيالية تفوق طاقته
وهو أنه " كن غنيا تكن الأجمل "" كن غنيا تنل احتراما "
وختم كلامه قائلا : أهدي عملي هذا للشرفاء و الأوفياء الذين لا يعرفون للخداع معنى و لا للمكر طريقا و لا للكذب سبيلا و لا للطمع فجوة "#رفضت_لأني_فقير "
1 تعليقات
السلام عليكم، تقريبا حدثت معي قصة مشابهة لكن مع اختلاف التفاصيل كذلك انا فقير واعمل في مجال الدهان والصباغة وبعرق جبيني
ردحذفتقدمت لخطبة فتاة محترمة وتعمل في مجال المحاماة لقد احببتها بصدق والله وحده يعلم مافي قلبي،
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.