تأملات في النصوص القرائية لمقرر السلك الإعدادي ـ مرشدي في اللغة العربية.

Smart أبريل 17, 2018 أبريل 17, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

تأملات في النصوص القرائية لمقرر السلك الإعدادي ـ مرشدي في اللغة العربية "نموذجا" ـ
المصطفى سالمي

إن المتأمل للكتاب المقرر لمادة اللغة العربية للسلك الثانوي الإعدادي لتنتابه الدهشة والحيرة والأسئلة الكثيرة حول توزيع النصوص وشروط اختيارها ومعايير اعتمادها وترتيبها، إن لم يكن من حيث الأجناس الأدبية، فعلى الأقل من حيث المواضيع والمحتويات، وقد يصل الأمر إلى أن يتساءل المتسائل: هل نحن فعلا إزاء نصوص أدبية حقا؟!                                          
أ ـ تصنيفات أولية:                                                    
تتوزع النصوص المعتمدة في مقررات السلك الإعدادي على توزيع لا يحيد، وهو كالآتي:                                                   
ـ نصوص تنتمي لمجال القيم الدينية والإسلامية باعتبار الإسلام هو دين الأمة والملة.                                                    
ـ نصوص تنتمي للقيم الوطنية والإنسانية.                          
ـ نصوص تنتمي للمجال الحضاري.                                  
هذا بالنسبة للدورة الأولى، أما الدورة الثانية فنجد التوزيع على الشكل الآتي:                                                          
ـ نصوص تنتمي للمجال الاجتماعي والاقتصادي.                  
ـ نصوص تنتمي للمجال السكاني.                                  
ـ نصوص تنتمي للمجال الفني الثقافي.                            
هكذا إذن هي الأمور، وكأني بنشاط ما يتهم استهلاله بآيات من الذكر الحكيم، ثم الوطن باعتبار حب الأوطان من الإيمان، فالحضارة التي يتم بناؤها على دعامتي حب الله وحب الوطن، وبعد كل هذا تأتي توابع ذلك من إقامة العمران بالمفهوم الخلدوني (نسبة لابن خلدون) وما يستتبع ذلك من ظواهر اجتماعية واقتصادية وسكانية وفنية ثقافية، هكذا تتم النظرة التبسيطية التسطيحية للأمور، وإذا كان الأمر بالمجالات في عموميتها، لِمَ لا يكون هناك مجال نفسي وآخر تربوي وثالث علمي ورابع تاريخي وهكذا دواليك؟ ثم هل من الضرورة والحتمي أن تصنف النصوص حسب المجالات فقط؟ ألا يمكن تصنيفها حسب المواضيع والمعاني العامة؟ فيقال مثلا: نصوص موضوعها الصحة، أو التسامح، أو قيمة العمل... وقد يحتج البعض بشمول واتساع لفظ "المجال" مقارنة بـلفظ "الموضوع" حينها نتساءل: لِمَ لا يتم تصنيف النصوص حسب الأجناس الأدبية؟ فيقال: نصوص سردية، نصوص شعرية، نصوص مسرحية... وهنا سيكون التلميذ أقرب إلى تدريسية المادة التي من المفروض أنها تدرس الأدب أصنافه وأجناسه وقوالبه، ولعل هذا الأمر سيكشف حينئذ حقيقة ما يُدرّسه الأستاذ في السلك الإعدادي في مادة اللغة العربية.                                                                 
ب ـ كشف المستور:                                                   
إن أستاذ السلك الإعدادي يدرس كل شيء ولا شيء، فهو يقحم نفسه، بل يُقحمه غيره عنوة منذ بداية السنة الدراسية في مقام الفقه وعلم التفسير الديني للنصوص، إذ أول ما يتم يتناوله في السنة الثالثة إعدادي نص: (من قيم الإسلام)، وإذا بالمدرس يفسر ويؤول نصا يمتزج فيه المقدس بالسرد القرآني محاولا ـ أي المدرس ـ أن يجتهد قدر مستطاعه حتى يناقش قضايا عمل المرأة بين احتمال مؤيد ومعارض (رعي الفتاتين أغنامهما اضطرارا بسبب شيخوخة الأب وهي مهمة يقوم بها الرعاة الأشداء "بصيغة المذكر")، وكذا جواز خطبة الأب لابنته بين المستحب والمباح (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تاجرني ثماني حجج)الآية، ونظرة القرآن للمرأة من خلال إبراز ذكائها وقوة ملاحظتها وحيائها... إننا إزاء "مدرس" يقتضي فيه الأمر التسلح بآليات علم التفسير والفقه وعلومه، وليس فقط الاجتهاد الفردي أو التفسير الأدبي الخالص، وهنا قد يتوجس المتوجسون من إبداء الرأي الفردي الذي لا يقوم على علم خاصة إذا انتصبت أمام المدرس أحاديث من قبيل: (من اجتهد في القرآن برأيه فأصاب فقد اخطأ).                      
ثم إن مدرس مادة اللغة العربية هذا ما يلبث أن يجد نفسه بعد حين يتناول ظواهر أسرية (نص: "تنظيم السرة") أو ظواهر من علم الاجتماع (نص: "مواقع المدن الإسلامية" ونص:  "نحن والمعالم الثرية") أو مادة الفنون (نص: "رقصة تاسكيوين" ونص: "عبقرية الخط العربي") أو علم الطب (نص: "مضار التدخين")... وكأني بهذا المدرس يتقمص دور أستاذ للاجتماعيات تارة، وأستاذ الفنون التشكيلية تارة أخرى، والتربية الأسرية ثالثة، وأستاذ الإسلاميات رابعة وهكذا دواليك..                                                       
ج ـ طغيان أجناس أدبية وإقصاء أخرى:                          
إن مقرر مادة اللغة العربية للعقد الأخير يتسم بفوضى الأجناس الأدبية، فنصوصه التي يهيمن فيها المقالي على السردي يمتاز بعضها بصعوبة التصنيف وتداخله، فلو قال التلميذ عن نص: (نحن والمعالم الأثرية) إنه نص سردي لما استطاع المدرس أن يفحمه بجواب غير ذلك، ولو قال هذا التلميذ إنه نص مقالي يعالج الفكرة متسلحا بقليل من الأفعال الحكائية الحركية لما جانب الصواب، ولو ادعى أنه نص حواري لكان قريبا من الحقيقة كذلك. ونفس الشيء ينطبق على نصوص مثل: (الفجر الصادق) الذي يمتزج فيه السرد التاريخي بالطابع المقالي، وهنا قد يرد علينا البعض بأن عنصر التغليب هو من نحتكم إليه دائما، لكن أليس الأجدى اختيار نصوص واضحة المعالم دقيقة في تصنيفها لتسهيل العملية على التلميذ والمدرس على السواء خاصة والمتعلم يبني نفسه ويعدها لعوالم التوجيه والتخصص قبل السلك التأهيلي حيث سيجتهد أكثر في تبين الأمور دون كثير التباس وغموض.                                          
لكن يبقى المريب أن يحضر الطابع السردي والمقالي  والشعري في مقرر التلميذ مع إقصاء المسرحية والمقامة والخطبة الأدبية بشكل سافر ومستفز، مع أن الشعر والسرد لم تُعط لهما المساحة الكافية، ولم يفرد لهما إلا هامش ضئيل في نهاية كل وحدة ومجال، وكأنها مكافأة لأستاذ اللغة العربية  ـ الذي يجد متعته في تدريس نصوص أقرب لتخصصه ونفسيته ـ أنْ هذه جائزة تقمصك لأدوار عدة في تدريس مواد شتى، وأن كنتَ فقيها ورساما وأستاذ تربية على المواطنة ومدرّس جغرافيا وتاريخ وطبيبا، وقد يحتج علينا بعض المرجفين بأن مدرس اللغة العربية أقرب لفقهاء العصور الذهبية الذين كانوا موسوعيين وعلماء بالمفهوم الفضفاض لكلمة "عالم" أو "فقيه"، ونرد عليهم بأن هؤلاء فعلا كانوا كذلك، وكانوا قبل كل هذا يحترمون تخصصاتهم ويدرسون مادتهم ويختارون لها الأدوات والمضامين المساعدة لذلك، أما مدرس اللغة العربية اليوم فلا هو عالم زمانه، ولا هو متروك له الأمر ليدرس ما هو أقرب لتخصصه الذي قضى فيه زهرة شبابه مما يجعل منه أشبه بقصة ذاك الذي أريد له تعريف العميان شيئا اسمه "الفيل" باعتماد حاسة اللمس وحدها وهم الذين لم يسبق لواحد منهم أن رأى بالمرة فيلا في حياته.                                                                   
د ـ نصوص أجهزت على البقية الباقية:                           
وهنا نتمثل قول الشاعر أحمد مطر:                               
وطني يا أيها الرمد                                                 
ترعاك السما                                                        
أصبح الوالي هو الكحال                                          
فأبشر بالعمى                                                      
وهذا النص الذي سنشير إليه هو الذي سيعمي آخر ضوء نتلمسه في الأفق، إنه نص: "صور من الكفاح الوطني" وهو نص من مقرر (المرجع في اللغة العربية) للسنة الثانية من السلك الإعدادي، وهو نص يتحدث عن رؤية الملك محمد الخامس على وجه القمر، إنه نص يكرس الأسطورة لما يعتقد أنها عملية غرس فكرة أو قيمة حب الأوطان في نفوس النشء.                                   
هـ ـ  ماذا بعد؟                                                      
إن تدريسية النصوص الأدبية هي عمل جماعي ينبغي ان تفرد أمامه مساحة شاسعة من عمل مختصين مؤهلين وعاملين في الميدان، لا أن يتم فيه تجريب وصفات علاج سريعة هي أقرب لحكاية: "ذهاب وإياب" في مقرر "المفيد في اللغة العربية" للسنة الأولى إعدادي، التي انتهت بموت المريض وزعم الطبيب أن العملية نجحت رغم موت من أجريت له، فكأنما أُهدر دم الرجل بين طبيب أول عجول كتب وصفة لم تسكن الآلام ولم تُذهب العلة، بل بددت الطابور الطويل، وبين وصفة ثانية قاتلة أتلفت مال الحمار الذي بيع للتكفل بمصاريف العملية، أم إن تعليمنا شاخ وأصبح آيلا للسقوط والانهيار، وما عادت تنجح معه وصفات شأنه شأن الرجل المسن الذي ربما مات بسبب الشيخوخة لا بسبب الطب والأطباء.                

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0