الرؤية الفعالة للمنظمة دعامة أساسية للتغيير الإيجابي
الرؤية الفعالة للمنظمة دعامة أساسية للتغيير الإيجابي
* ذ خاليد جوهري
هناك قادة يسعون إلى تغيير منظماتهم باستخدام
أحد السيناريوهين الأولين، إما بإصدار قرارات و الأمر بتنفيذها أو التحكم في كل
التفاصيل.
هاتين الطريقتين تستعملان غالبا في الحفاظ على الأنظمة
القائمة لا في تغييرها إلى أنظمة أفضل، و قد تجد مقاومة شرسة وعدم انخراط باقي الأفراد في التغيير. بينما السيناريو
الثالث فمن المحتمل أن يتغلب على المقاومة و يقهر كل القوات التي تقاوم التغيير و تتشبث
بالوضع الحالي، لأنها مبنية على الرؤية la vision التي هي مكون أساسي من مكونات
القيادة العظيمة.
و الرؤية هي صورة ذهنية منطقية و جذابة لوضع
المنظمة في المستقبل، سواء كانت حكومية أو خاصة، ذات هدف ربحي أو تطوعي، و إذا
كانت رؤية جيدة فإنها تروم تحقيق ثلاث غايات مهمة: توضح أولا الاتجاه العام نحو
التغيير بترويج عبارات مؤسساتية حماسية، و بذلك تختفي حالة العجز عن اتخاذ
القرارات و تنهي الجدال حولها، فتربح المنظمة ساعات أو ربما شهور من اللغو و
الجدال. ثانيا تحفز أفراد المنظمة على
اتخاذ قرارات و إجراءات في الاتجاه الصحيح، فالتغيير غالبا ما يخرج أفراد المنظمة
من المربع المريح و يتضمن بعض الألم من قبيل تعلم مهارات و سلوكات جديدة أو العمل
بموارد أقل، فالرؤية الجيدة تدفع في اتجاه التحلي بالأمل و تقديم التضحيات من أجل
تحقيق منافع أحسن من الحالية. ثالثا فالرؤية تساعد على تنسيق جهود و إجراءات
المتدخلين بطريقة سريعة و فعالة، فبدون وجود إحساس مشترك باتجاه التغيير قد تكون
التكلفة كبيرة على عكس إذا كانت الرؤية مشتركة و متفق عليها.
و من سمات الرؤية الفعالة أورد جون بي
كوتر في كتابه "قيادة التغيير"
ست صفات أساسية:
·
قابلة للتخيل: تنقل صورة عما سيبدو عليه
المستقبل؛
·
مرغوب فيها: تتفق مع المصالح طويلة المدى
الخاصة بجميع المتدخلين و الشركاء؛
·
عملية: تشتمل على أهداف واقعية قابلة
للتحقيق؛
·
مركزة: واضحة بما يكفي لتقديم التوجيه في
عملية اتخاذ القرار؛
·
مرنة: عامة بما يكفي للسماح بالمبادرات
الفردية في ضوء الظروف المتغيرة؛
·
قابلة للتوصيل: يمكنك شرحها بنجاح في غضون
خمس دقائق.
قد نجد بعض المنظمات تضع رؤى تعد بتوفير كل
شيء و لكنها لا تقدم فكرة عن جدوى التغيير. مثلا " سوف نتحول من كوننا الأدنى
إنتاجية إلى الأعلى إنتاجية". جيد و لكن كيف؟ "سوف نكون الأفضل في مجال
نشاطنا". هذا رائع و لكن كيف؟ من هنا
يظهر أن الرؤية المجدية لا تكون مجرد أوهام أو تخيلات يصعب أجرأتها أو تتطلب موارد
و قدرات ليس بمقدور المنظمة توفيرها، الشيء الذي يجعل أهداف التغيير تبدو مستحيلة،
و من تم تفشل في التحفيز على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. هنا يأتي
دور الاستراتيجيات التي تبين كيف يمكن تحقيق الرؤية خاصة في ظل التغير السريع و
المتسارع لبيئة العمل و التنافسية الشديدة.
و كمثال للرؤية الفعالة نورد فيما يلي واحدة
لإحدى المنظمات العاملة في مجال التأمين و التي تؤمن أن رؤيتها مفيدة في تحقيق
التغيير المأمول: "هدفنا ان نصبح قادة العالم في مجال صناعتنا في غضون عشر
سنوات. و عند استخدامنا لمصطلح القيادة، فنحن نعني به المزيد من العائدات و
الأرباح و التحفيز الذي يلبي حاجيات عملائنا و جعل الشركة مكانا جذابا للعمل بقدر
أكبر من منافسينا. و سوف يتطلب بالتأكيد أن نكون أقل نشاطا محليا، و أكثر تركيزا
عالميا، و أقل روتينية، و شركة خدومة بقدر أكبر. و نحن نؤمن بصدق بأننا إذا تعاونا
فسيمكننا إحداث هذا التغيير و سنبني خلال هذه العملية شركة تنال إعجاب جميع
الفاعلين".
نلاحظ أن العبارات الواردة تحتوي على الكثير
من المعلومات، إلا أنها مركزة و خالية من تعدد الاحتمالات (مثل أن نصبح شركة كبرى
بالاندماج مع شركات أخرى...)، تشير إلى المجالات التي تحتاج إلى التغيير بوضوح (
التحول من فكرة تقديم السلع إلى ثقافة الخدمة)، كما أنها ذكرت هدفا واضحا (الأولى
في غضون عشر سنوات)، بالإضافة إلى إدراج عبارة واضحة عن الجاذبية ("تنال
إعجاب الفاعلين)، و هي سهلة التوصيل ( أقل من مائة كلمة).
قد
تكون الرؤية غير الفعالة أشد خطرا من عدم وجود رؤية. و التحدث عن الرؤية دون
الالتزام بها قد يصنع نوعا من الأوهام الخطيرة، فيعتقد أفراد المنظمة أنهم يقفون
على أرض صلبة فإذا بهم يجدون أنفسهم على جرف هار.