الخرتيت والثعلب والحمار

الإدارة أغسطس 04, 2020 أغسطس 04, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الخرتيت والثعلب والحمار (قصة قصيرة)

ـ نورالدين الطويليع


 ـ نورالدين الطويليع


دخل الثعلب بيت الخرتيت وعلامات القلق بادية على محياه، دون مقدمات، وباضطراب شديد، أخبر الخرتيت الذي عينته حيوانات الغابة زعيما عليها منذ سنتين، أخبره أن كل الحيوانات غاضبة عليه، وتتهمه بالغباء وقصر النظر.

-- أإلى هذا الحد بلغت وقاحتهم؟, سأحطمهم جميعا، سأدوسهم واحدا واحدا، وأسحقهم جميعا، وأنت تعلم ألا أحد منهم يملك ما أملكه من ضخامة الجسم.

كاد الثعلب يقول له: صحيح أنت أضخمهم جثة، وفي الوقت نفسه أنت أكثرهم غباء، لكنه تراجع حتى لا يؤزم الوضع، وخاطب الخرتيت قائلا: لا نشك في قدراتك الجسمية الخارقة، وفي قدرتك على مصارعتهم مجتمعين، لكن لدي اقتراح سيأتيك بنتائج مبهمرة، دون أن تكلف نفسك تعب المواجهة والاقتتال.

-- هات اقتراحك، وأسرع قبل أن أنقض عليك، وأجعلك ضحيتي الأولى.

-- لا داعي للقلق سيدي، أنا فقط ناصح أمين، أرجوك أعلن في الناس أنك توقفت عن إدارة شؤون الغابة، وأن رئاستك لهم ستصبح رمزية، وأسند إلى الحمار هذه المهمة.

-- ماذا تقول أيها الماكر الخبيث، ألهذه الدرجة هانت علي نفسي حتى أنصب الحمار قائما على شؤون الغابة، وأتوارى أنا إلى الوراء؟.

-- رجاء خذ بنصيحتي، واجعلني مستشارك، وستكتشف وجاهة الفكرة في وقت وجيز.

-- ما الذي يمكن للحمار البليد أن يقدمه للغابة؟، هل جننت؟.

-- وهل تعتقد أن الحمار هو الذي سيسوس أمر الغابة؟

--ألم تشر علي بنقل صلاحياتي إليه؟

-- نعم، لكن أنت من سيصدر القرارات، وسيكتفي هو بتبنيها، دع هذا الأمر لي، لا تتعب نفسك بالتفكير فيه.

-- تصرف كما تريد أيها الخبيث.

توجه الثعلب مباشرة إلى الحمار، وبعد سؤال مقتضب عن أحواله عبر له عن تعاطفه معه في ظل ما يعيشه من شظف العيش، ومن اكتفاء على التبن وحده، دون أن يجد منه ما يكفي لإطفاء نار سغبه.

-- يحتقرني أهل الغابة، ولا يتركون لي مكانا أرعى فيه، وكما ترى، فأنا أكتفي بالخشاش، دون أن أفلت من احتقارهم وسخريتهم، ومن نظرتهم الدونية إلي.

-- لا عليك صديقي الحمار، من الآن فصاعدا سيتغير حالك إلى الأحسن، ودع الخشاش ورديء الأكل، واستعد لتناول كل ما كنت تشتهيه أنت وعشيرتك ومقربيك، سنضع رهن إشارتكم وإشارتهم الشعير والبرسيم والحشائش الخضراء، ولك أن تطلب كل ما تشتهيه.

-- لا تستهزئ بي، يكفيني ما أنا فيه.

-- ثق بي أنني صادق، وسترى بعينك خيرات الغابة محمولة إليك.

-- حسنا، وما المقابل الذي يجب أن أؤديه مقابل هذه الخدمة؟

-- لا مقابل صديقي، لقد وقع إجماع على تكليفك بإدارة شؤون الغابة، ووضعك الاعتباري الجديد يستدعي أن تكون تغذيتك جيدة.

-- لكنك تعلم أنني لا أفقه شيئا في أمور الإدارة.

-- لا تخف, هناك فريق سيسهر على مساعدتك، سيقوم بكل شيء، أنت ستتولى التوقيع على ما سيصدره من قرارات.

-- حسنا، إذا كان الأمر كذلك فأنا مواقف.

في بضعة أيام صار الحمار بدينا، بعدما كان أعجف، وأصبح يجود على قبيلة الحمير بما يفضل عليه، حتى كفاهم جميعا، وفي ظرف أسابيع قليلة صدرت ترسانة من القوانين موقعة باسم الحمار، بعضها نص على زيادة ساعات عمل سكان الغابة، وتخفيض كمية الأكل المخصصة لكل حيوان على حدة، وبعضها الآخر تضمن إجراءات تحد من حريتهم، وتتوعدهم بعقوبات زجرية قاسية إن هم خالفوا التعليمات، وبعد سنوات من الصبر خرجت حيوانات الغابة في مظاهرة حاشدة، مطالبة بتنحية الحمار وإعدامه، فخرج عليهم الثعلب، ليبلغهم سلام الخرتيت، وتعاطفه معهم، واستجابته الآنية لمطلبهم، فتعالت الهتافات مهللة بالنصر المبين، وماهي إلا ساعات حتى كان الحمار جثة هامدة، وفي اليوم الموالي كلف البغل بإكمال مشروع الحمار الذي بقيت "قراراته" على قيد الحياة، منتظرةً تعزيزَ البغل إياها بقرارات جديدة

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0