المدبر و الإحتراق النفسي
المدبر و الإحتراق النفسي
ذ.جــــواد مــطــعي
متـصرف تربـــــوي
5/4/2022 على الساعة 03:18
إن التدبير الإداري من حيث كونه عملية معقدة و غير يسيرة ,يدخل معها المدبر في مشاكل و احتكاكات متعددة و متجددة تكاد تكون غير منتهية مع مجموعة من الأطراف التي قد تعتقد أنه هو الوحيد المسؤول عن مشاكلها و اخفاقاتها. كل هذه التوترات, قد تؤدي به إلى الإحتراق النفسي.
الإحتراق النفسي كما عرفه WILMAR SCHAUFLI هو حالة من الإجهاد العاطفي و العقلي و الجسدي تجعل المصاب بها غير قادر على القيام بوظائفه بشكل طبيعي*. حيث يمكن أن يصاب به المديرون و القادة كما يمكن أن تصاب به الأمهات أو الطلبة الطموحين ....
هنا يجب التمييز بين الإحتراق النفسي و الإرهاق النفسي الذي هو مجرد إحساس واع و مؤقت بالتعب و الضغط بسبب توترات لحظية ,بحيث تعود كل الأمور تحت السيطرة بمجرد اختفائها و زوالها.
و على اعتبار أن عملية التدبير الإداري تتميز بمجهود فكري و جسدي عالي , و بها مسؤوليات ضخمة اتجاه أفراد آخرين ,كما أنها قد تروم نتائج صعبة المنال , فإن عدم استيعاب كل هذه المعطيات قد تجر المدبر إلى الإحتراق النفسي .
ومن بين أسباب هذا الإحتراق ,هناك أسباب متعلقة ببيئة العمل نفسها و التي قد تكون غير مناسبة , تتسم إما بعدم الإعتراف أو غياب التحفيز ,هنا يجد المدبر نفسه في تناقض بين توقعاته المبدئية و المنتظرة , و ما هو موجود على أرض الواقع. فالمدبر يبدأ عمله و كله حماس و طموح و آمال ,فيعتقد أنه من خلال وظيفته يمكن أن يحقق ذاته و طموحه و يظهر قدراته المهنية الكبيرة ,لكن عندما يكتشف أن الأمور و النظام يمشي بطريقة أخرى مختلفة ليس كما كان يعتقد ,تبدأ حوافزه و دوافعه الداخلية تنهار ,خاصة إذا كان المدبر لا يمتلك مصدرا خارجيا عن العمل يزوده بالطاقة الإيجابية و الدعم , فيتساءل عن مدى دوره و فعاليته في التغيير ,كل هذه الأحاسيس يتم ترجمتها إلى حالة توتر و قلق و إحساس دائم بالإجهاد الجسدي.
لكن المرحلة الخطيرة التي يمكن أن يصل إليها المدبر هي المرحلة التي يتبنى فيها مواقف سلبية اتجاه المنظومة ككل,بحيث يعبر عن سخطه بتشييء الآخرين و إعطاء تبريرات واهية لعدم الإحساس بهم .
و حتى لا يصل المدبر إلى حالة أخرى كارثية ,قد يتوقف فيها عن العمل أو عن الحياة , يجب عليه الوقوف وقفة تأمل مع نفسه و نهج عملية تصفية حسابات معها أولا ,حتى يتسنى له إخماد هذا الإحتراق و السيطرة عليه.
فالمدبر الذكي هو من يستطيع الفصل بين أوقات العمل و أوقات الراحة ,فمن غير المعقول أن ينقل مشاكل عمله إلى منزله و أن يكون متاحا دائما , فالمدبر هو بحاجة إلى أوقات راحة تتخللها عملية تقييم عقلاني لحياته بصفة عامة , فمهما كانت مصالح العمل مهمة تبقى الصحة النفسية و الجسدية مهمة أيضا .
إن المدبر الحقيقي هو ذلك المدبر ذو الكفاءة العالية و الخبير بحقوقه و واجباته , فالمعرفة هنا تجعله يتوقع المشاكل و طرق حلها , فيستوعبها بدل أن تستوعبه ثم يسيطر عليها بدل أن تسيطر عليه .
فالنجاح في الحياة هو في الحقيقة نجاحات متعددة و مختلفة , تسير وفق منطق متوازي و بصيغة متوازنة :النجاح العملي , النجاح الصحي , النجاح المادي , النجاح العلائقي , النجاح الروحي , النجاح الأسري ... و أي تغليب لجهة على أخرى يظل معه هذا النجاح قاصرا و غير تام .
فالمدبر هو بحاجة دائمة لتقييم أساليب عمله و إعادة التخطيط لأهدافه , فالمثالية الزائدة و الأهداف الغير الواقعية سوف لن تؤدي به إلا إلى حالة من الإحباط التام .
كما أن الإستقرار العاطفي للمدبر هم عامل حاسم و مفصلي في تطوره , إذ يشكل مصدرا للدعم و القوة , فيحميه من الضغوط ,فكلما كانت الصحبة مساندة ,كلما كان الإحساس بالقوة و الدعم ,من جهة أخرى فإن الإعتناء بنفسه بات ضروريا , فالنوم الكافي و الأكل الصحي و الممارسة المنتظمة للرياضة كلها مصادر أخرى للقوة و الدعم و الطاقة قد تحميه من الإحتراق النفسي ...
* الاحتراق النفسي: ويلمار شوفلي