عتبة المربع الذهبي من منظور حجاجي

الإدارة ديسمبر 12, 2022 ديسمبر 12, 2022
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 عتبة المربع الذهبي من منظور حجاجي

عتبة المربع الذهبي من منظور حجاجي


الكاتب :منير حمدوشي

قبل المونديال بثلاثة أشهر، استبشر المغاربة خيرا حين استجابت الجامعة الملكية المغربية للمطلب الشعبي الداعي إلى ضرورة إبعاد المدرب وحيد خليلوزيتش الذي أبعد نجوم المنتخب من المشاركة في المقابلات الرسمية والودية، بعدما أصرّ على اختياراته البشرية والتكتيكية المخيبة لآمال الجماهير المغربية، ولم يرق هذا المدرّب إلى المستوى الذي تطمح إليه هذه الجماهير التي تعشق الفرجة الكروية والأداء إلى جانب الإنجاز والفعالية في حسم المقابلات، وازداد أملهم في تقديم وجه مشرف للمغرب في المونديال، عندما أعلنت الجامعة أن الاختيار الذي وقع على المدرب الوطني وليد الركراكي.

استطاع وليد الذي حقق إنجازات عظيمة مع الوداد البيضاوي، وعلى رأسها التتويج بعصبة الأبطال الإفريقية، أن ينقل تجربته مع الوداد إلى المنتخب المغربي، ولعلّ أهم استراتيجية نهجها في إقناع اللاعبين بالالتزام بخططه والاستجابة لتعليماته هي الاستراتيجية التضامنية، التي تتجسد حجاجيا من خلال علامات لغوية معيّنة، تشير إلى رغبة المرسل في التضامن مع المرسل إليه، مما يجعله يستنتج أن المرسل قدّم تنازلات عن سلطته التي يتمتّع بها، ويعرفها   عبد الهادي بن ظافر الشهري بأنها "الاستراتيجية التي يحاول المرسل أن يجسّد بها درجةَ علاقتِه بالمرسل إليه ونوعَها، وأن يُعبّر عن مدى احترامه لها ورغبته في المحافظة عليها، وأنّ تطويرها بإزالة معالم الفروق بينهما، وإجمالا هي محاولة التقرّب من المرسل إليه، وتقريبه"( استراتيجيات الخطاب، مقربة لغوية  تداولية، 2004،ص257)، فحين عمد وليد إلى هذه الاستراتيجية، فإنه يسعى على استمالة اللاعبين عبر التقرب منهم، وإظهار الحرص عليهم وعلى مصلحتهم ومصلحة المغرب والمغاربة بعيدا عن التسلّط أو القهر الذي يمارسه بعض المدرّبين، الشيء الذي يسهل عملية إقناعه  بالأطروحة التي يدافع عنها المرسل، والمتمثلة في تشريف الكرة المغربية والعربية والإفريقية. 

إجمالا، نهج وليد الاستراتيجية التضامنية التي تقربّه أكثر من اللاعبين، متجاوزا دوره في إعطاء الخطة والتعليمات، إلى مخاطبة عاطفة اللاعبين وتحريك وجدانهم، متنازلا عن سلطته المؤسَّسة، عادة عند أغلب المدربين، على العلاقة العمودية، ومُفضّلا نسج علاقة أفقية تنبني على التوافق والانسجام في التواصل. 

استثمر وليد مفهوم "العائلة" الذي نجح في غرسه بين مكونات فريق الوداد، ثم جلبه إلى المنتحب بغرض تعزيز الاستراتيجية التضامنية، وقد تجلى هذا المفهوم في عدّة مستويات:

-الدفاع عن اللاعبين، إذ يلعب الركراكي دور الأب أو لنقل، بحكم تقارب السن، الأخ الأكبر الحريص على سلامة إخوته، ونخصّ بالذكر الزلزولي، وحمد الله، والنصيري الذي تعرّض للتنمر والسخرية اللاذعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كان العديد من النشطاء الفايسبوكيون يطالبون بإبعاده، لكن وليد تشبث به، وآمن بقدراته، وقد كان يرى فيه بروفايل اللاعب الذي يخدم الخطط التي يتبناها. وقد أظهر استحقاقه حين سجل هدفا في مرمى كندا، وهدفا حاسما ضد البرتغال، أهل المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم.

-تقبيل رأس الأم، ذلك أن صورة أفراد المنتخب وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم عقب انتهاء كل مقابلة شغلت العالم، بما فيهم وليد نفسه الذي كان يطير إلى المدرجات كي يعانق أمه، تعبيرا عن الرضا الذي ما فتئ يستحضره في الندوات الصحفية جلّها، كما كان حضور الأب مع والد الصابري ووالد النصيري الذي كان عناقه الحار لولده مثيرا للبكاء. كما حضرت الزوجة والإخوة والأخوات...

-نزوله إلى أرضية الملعب، وعناقه الحار مع اللاعبين، وأعضاء الطاقم التقني والطبي، مع إطلاق صافرة نهاية كل مباراة،

من مظاهر الاستراتيجية التضامنية أيضا أنّ وليد الركراكي استهدف القيم، وقد أكّد بيرلمان على الوظيفة الحجاجية للقيم في كتابه مصنّف في الحجاج، معتبرا أنّها "تؤدي، في وقت معيّن، دورا في كل الحجج" (Traité de l’argumentation , la nouvelle rhétorique , Chaim Perelman et lucie olbrechts-tyteca .Ed de l’université de Bruxelles . 5éme  édt , 1988,p100  ) ركز وليد على  القيم الوطنية التي ترسخ علاقة الانتماء بين اللاعب المغربي ووطنه، وهو يدفع به إلى أن يمثل المعنى الحقيقي للمواطنة بالدفاع عن ألوان المغرب، ويحثه على أن يحمل قيما إيجابية تجاه وطنه الأم، كي يقدّم التضحيات في سبيل التقدّم في أشواط التأهل المؤدية إلى النهائي، والعمل على جلب الفرحة إلى الشعب، وجعله يتقاسم مشاعر الفخر والاعتزاز بالوطن. وقد تحققت الاستجابات البليغة التي أنتجها المغاربة الذين لم يذخروا جهدا في التشجيع والدعم. وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس، فشاهدنا الناس في الشوارع وهي ترفل في الأحمر، تحمل الأعلام المغربية، وسمعنا زغاريد الفرحة، ومنبهات السيارات، والشعارات في الساحات والشوارع المملوءة بكل الفئات العمرية، التي كانت تردّد النشيد الوطني وبعض الأغاني الوطنية المرتبطة بعيد الاستقلال وذكرى المسيرة الخضراء، فضلا عن ذلك رصدنا مآزرة جماهير واسعة عبر العالم من العرب والأمازيغ والأفارقة واليهود والمسلمين.  فعلا إن لكرة القدم وقع السحر على القلوب !!!

وقد دعا وليد الجماهير أيضا إلى التشبث بالقيم الوطنية والأخلاقية، إذ طالبها بدعم اللاعبين معنويا، وأن تبتعد عن الانتقاد السلبي المحبِط، وأن تعقد "النية" وتجدّدها، وألا تبخل بالدعاء والتضرع إلى الله، بأن يعين اللاعبين في تحقيق الفوز في كل المباريات الحاسمة. لقد أدخل وليد الفرحة إلى قلوب المغاربة والعرب، ووحّد ما لم تستطع السياسة أن تجمعه سواء داخليا أم خارجيا.  

استطاع وليد أن يؤسِّس لنموذج المدرب القيادي الناجح في تدبير فريقه، والمتمتع بكاريزما القائد الملهِم، وأضحى ظاهرة كروية، بل نموذجا يُحتذى به في العالم، بفضل نهجه للاستراتيجية التضامنية، فضلا عن تواضعه وعفويته ونهجه التكتيكي المثمر.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/